للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن أمور الناس ليست كالمثل المطرد بل هي عرضة للتغير والتبدل والزمان إن سامح تحيف وإن سالم طرق يقرض الإحسان ثم يقتضي ويعير ثم يسترد. فهل رأيت أضعف تمييزاً أو أسخف عقلاً ممن يربي الطفل كأنه (أي الطفل) لن ينفض إلا أجواز غرفته ولن ينزع به الطلب إلى غير محلته أو كأن الدهر سيظل أخضر والزمان بوجه السعد مقبلاً. فإذا دفعته الحاجة فخطا خطوة أو حاول أن يرقى سلماً فقد تعرض للموت واستهدف للتلف. أليس هذا قد علمه الإحساس بالألم ولم يعلمه احتماله.

أرى الناس لا يعنون بصيانة الطفل ولعمري ليس هذا كل ما يجب فإنه ينبغي لنا أن نعلمه أن يصون نفسه متى صار في حد الرجال وأن يتلقى المحن بجنة الصبر ويقرن للدهر في الشدة والرخاء والنعماء والبأساء والأمن والخوف والإقبال والإدبار فيعيش إن مست الحاجة بين ثلج أيسلاندة أو على صخور مالطة المحرقة. وأعلم أنه من عجز الرأي أن تحاول أن تجعله في مأمن من الموت إذ لا بد أن ينقضي أجله ويتصرم حبله وليس تعليمك إياه كيف يعيش بأقل فائدة وأصغر خطراً من ضنك به على الموت وحياطتك دونه والحياة أصلحك الله ليست أنفاساً يرددها بل هي العمل والكد والكدح هي أن يستخدم المرء أعضاءه وحواسه وجوارحه وقواه وملكاته وسائر ما يجعله يشعر بوجوده ويحسه. وأحي الناس أشدهم بالحياة إحساساً وأقواهم بالوجود شعوراً. لا من تنفس به العمر فلبس العمائم الثلاث فكم من وليد مات وكأنما أخذ بعنق المائة.

لهف نفسي على إنسان هذا الزمان علمهُ أوهام وخرافات وعاداته قيود وأصفاد تضرب عليه الذلة يوم يولد ويتقمص الهوان يوم يلف في القمط فإذا مات لف في الأكفان. حتى الموت لا ينضو عنه دثار الرق ولا يطلق عنه ربقة الاستعباد!

وبعد فقد زعم المرضعات أنهن يستطعن أن يسوين رؤوس الأطفال لتكون أجمل صورة وآنق شكلاً وأعدل تكويناً. كأن مبدع الخلق سبحانه عجز عن أن يفرغها في قالب الكمال. فلم يكن بد من أن يسويها المرضعات والفلاسفة كرة أخرى هؤلاء من الظاهر وهؤلاء من الباطن.

إن هذه القمط التي تشد بها رؤوس الأطفال وسائر أعضائهم تعوق دورة الدم وغيره من السوائل وتحجز الجسم من النماء وتقيم من دون القوة سدا وتكدى الشباب وتسلب المنة فإن