للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعيننا من الأفكار في هذا الصدد إذا أحببنا أن نعيش بسلام ونقضي أيام حياتنا بالهناء حتى ساعتنا الأخيرة التي خوفها هو السبب الوحيد في التنغيص علينا في كل أوقاتنا وساعاتنا الأخر.

ولا ختم ما اخترته لك في هذا المعنى بالحكمة المختارة ليومنا هذا وهي زهرة مقتطفة من حدائق الحصم قال إن الفقر المنظم وفق النواميس الطبيعية غنى وحظ عظيم أو تدري ماذا يعني بالفقر المنظم وما تشير به هذه النواميس أنها تشير بأن لا نجوع ولا نظمأ ولا نعرى وكل هذا أي سد الجوع وأطفأه الظمأ وستر العورة لا يحتاج البتة إلى أن نقف بالذلة والصغار بواب العظماء ولا أن نتحمل نظراتهم المملوءة كبراً واحتقاراً وجمائلهم التي حشوها الخزي والعار وليس بمستلزم كذلك أن نقتحم الأهوال ونتجشم سفر البحار على حين أن ما تتطلبه الطبيعة سهل الوصول إليه والحصول عليه وإنما تتعب النفوس بالجد والكد وراء ما زاد عن ذلك من مظاهر ومفاخر فترى هذا يخلق جدته في الحصول على الوظائف الملكية وذاك يقضي زهرة أيامه في التقلب في قيادة الجندية وثالثاً يلحقه الفشل على شواطئ البحار وراء الحصول على الفخار وصفوة القول أن الضروري سهل المنال علينا ومن يقنع بحالته منه وينظم معيشته فيه فذاك لعمري هو الغني ذو الحظ العظيم.

الرسالة الخامسة في المباهات بالفلسفة والفلسفة الصحيحة

حرصتَ على تحصيل الخيرات بلا فتور وهجرتَ كل شيء انصرافاً إلى تكميل نفسك فأنا أحمد إليك صنيعك وثباتك عليه وأنصح لك بل أرجو منك رجاء أن تثابر على تلك الخطة ولكني أحذرك التشبه ببعض هؤلاء الفلاسفة الذين قد يتغالون حتى يشذوا عن الجادة في إهمال أبدانهم وتيانهم فأحرص أحوالك وأطوارك رغبة في الظهور بمظهر الفلاسفة (الكلبيين) وكفى ما بالفلاسفة اليوم من سوء ظن الناس بهم مهما أظهروا من الحشمة والكمال في أحوالهم فكيف بهم إذا رأى الناس منهم كبير شذوذ وخروج عن مألوفهم؟ أنا لنخالف الناس في بواطننا أما الظاهر فيمكننا أن نظاهرهم عليها ونجاريهم فيها بالمقدار اللازم، فأنا لا أحب مثلاً أن تكون ثيابي مما تلفت الأنظار زخرفة ولكني لا أحب أيضاً أن تكون مما تنبو عنه الأعين قذارة وإهمالاً، ولا أود كذلك أن استعمل آنية الذهب والفضة ولكنني لا أعتقد الزهد والورع إلا وراء ذلك، فلنحرص إذن أن نعيش كما يعيش الناس