للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن الشجاعة الشعرية عن بلوغ شأوها والشجاعة الشعرية هي التي تدفع المرء إلى التعبير عما يوحي إليه ضميره تلك الفئة لا ترى في ضميرها مزجاً إلى القريض ولكن باعثها إليه رغبتها في أن تبين عما تسنه ضمائر الناس ولكن يعوقها عن ذلك أن الكذب والنفاق والخداع والتحيز والغرور حجب مسدولة على ضمائرهم على أن ضمير المرء أصدق مناصحة له من ضمير غيره هذا سبب أن الشاعر من شعراء هذه الفئة يناقض بين أقوله في التعبير عن الأخلاق ويلبس ثيابه ولو لم يكن في هذه الخلة شيء غير فناء الشاعر في شخصية غيره لكان خليقاً بالعبقرية أن يأنف من التخلق بها ولكنها تسوقه إلى إطراء السيئ وهو يعرف أنه سيء وإنما حب العبقري نفسه أنفة من أن يعيش في آراء غيره وقد يعود تعلقه بما يسنه ضميره حباً لنفسه مثل ذلك (روسو) كان شديد التعلق بما يوحي إليه ضميره من الآراء حتى صار يجل نفسه من أجل إجلاله لتلك الآراء وهذه الخلة غير غرور الأديب الذي يقتل ضميره ليحيي آراء الناس فإن هذا الغرور سببه إطراء الناس إياه وتقريظهم شعره. أرأيت ضعيف الجسم إذا أراد أن يلفت الناس عن ضعفه فيملأ فمه كذباً من وصف شجاعته وأقدامه ويطعن الهواء بصرخات يحسبها الغافل صرخات النجدة والحماسة حتى يضج الهواء منها مثل هذا مثل كثير من شعراء السياسة إذا قرأ الغافل شعرهم حسب أن نصيبه كبير من تلك الرجولة التي سببها صدق السريرة وعظم الإحساس فإذا قرأه صاحب الذوق السليم وجد به ضجة مثل ضجة الدجاج قد يحسبها الغافل ضجة الشجاع المستفز هؤلاء الشعراء يلبسون آراءهم كما يلبسون ثيابهم على أن مجال الشاعر في الانتصار للحرية غير مجال السياسي فالأول سبيله التعميم والثاني سبيله التخصيص الأول يعني بالحوادث الكبيرة التي يعني ذكرها المرء في التماس الحرية في الرأي والدين والعمل والثاني يعني بالحوادث اليومية الصغيرة الأول يستمد من التاريخ والخيال والثاني يستمد من السياسة.