للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون أميراً

أني أعرف بواجب المدرس وأبصر بخطارة عمله من أن ألبي مثل هذه الدعوة وأن كانت من أمير كبير. ولأنا أشد إصراراً على العصيان ومضياً على الإباء إذا كان الداعي صديقاً لي. ولعل الناس إذا قرأوا كتابي هذا يكفون عن الإلحاف في مسألتي والاحتفال في عذلي ورجائي إلى من يحسبون أن في وسعهم حملي على الرضا بالهوادة والمهاونة أن لا يذيقوا أنفسهم مرارة الرد والرجوع بالخيبة. فأني أعلم بنفسي وأشد مناصحة لها ولئن جهلتها فكيف لي بمعرفة غيرها. ولقد اختبرت نفسي مرة والله يعلم أني ما حمدت مخبرها على أن فيما أزاول من عملي ما يظهر عني ما يلزمه الناس من اللوم وما كنت لأكلف نفسي إعلان ذلك العزم لولا أن في الناس من يتهم عزمي ولا يثق بصدقي.

ولذلك قد اعتزمت أن اتخذ لنفسي تلميذاً وهمياً لا وجود له وفرضت أن لي من السن ووفور العقل والرسوخ في العلم وغير ذلك من المواهب والملكات والأسباب وسائر ما يستعين به المرء ويتآدي به لتربيته حتى يبلغ كمال البنية والعقل وهذه الطريقة خير عندي لمن يخشى أن يتيه في شعاب البحث ويهيم في أودية الكلام. ليكون إذا آنس من نفسه جنوحاً عن الجدد قادراً على حبس نفس الكلام ورد جماح المقال. وسبيل ذلك أن يجرب الرأي في تلميذه لينظر من أين مجراه.

وأرى عدا ذلك خلافاً لما عليه الناس جميعاً أن يكون المؤدب في شرخ شبيبته وربيع عمره ولولا أن يقال مجنون مختلط لقلت ينبغي أن يكون صبياً كتلميذه ليكون له رفيقاً مؤانساً وليستريح كل إلى صاحبه ويسكن إليه لأن الطفل عادة لا يطمئن إلى شيخ ولا يأنس به أنسه بطفل مثله يسايره في أهوائه وملاهيه فإذا نشأت بين طفل وشيخ صحبة رأيتها جافة جامدة وقد يداجي الطفل صاحبه الشيخ ويتملق له ولكنه لا يميل إليه بالود أبدا.

وقالوا يشترط لنجاح المؤدب أن يكون قد عالج تأديب طفل آخر من قبل وهذا الشرط منهم يدخل في باب الإعجاز إذ حسب المؤدب أن يربي طفلاً واحداً على أن هذا الشرط لو كان لازماً لنجاحه وكان لا بد للمؤدب من تربية أثنين لما لما كان له حق في معالجة الأول منهما حتى يحتسب ما عند نفسه من لمقدرة بأن يمارس تأديب غيره أولاً! وأنت إن دخلت من هذا الباب فلن تصيب منه مخرجاً.