للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الأسلوب الفصيح بقية دماء كان ينزل بها رمسه.

نقول هذا ولا نمتن وإن رفقنا، ولا نتكثر وإن صدقنا ولكن هي المحمدة للذين آزرونا وكانوا لنا فكنا بهم ونحن لا نرضى أن نشكرها لهم حتى نشيد بها ولا نرضى بالإشادة حتى نقدمها في صدر الكلام ولا نرضى بتقديمها دون أن ننزلها مع رضاهم في منزلة مذكورة، ونقرنها إلى فضلهم كما تقرن البسملة إلى كل سورة.

وبعد فقد علم القراء إننا فيما انتهجنا من خطة البيان إنما نرمي إلى غرض من تربية الأمة ليس لنا في البلوغ إليه أوثق من اللغة وآدابها فقد أصبنا الأمة متحللة من تاريخها منفصلة بحاضرها عن ماضيها ذاهبة في غير طريقها وكأنما قطع بها على هذا الضلال فهي تبرح مترقبة من تتبعه وان تبعته إلى الضياع والتلف. ورأينا من نشئنا من سدرت أبصارهم وسحر أعينهم زخرف الغرب ونسوا الله فأنساهم أنفسهم وكانوا على ذلك بيننا نحوطهم ونرعاهم وهم يرون أننا نحن بينهم وإنهم هم الأمة على قلتهم وتصدعهم ويعلم الله أنهم في ثوب الأمة رقع تترك فلا تروق، وتنزع فلا تكشف إلا عن خروق.

هؤلاء يحسبون إن بناء الأمم هندسة نظرية فكل ما قامت عليه مدنية الغرب فهو بعينه الذي يتسق به أمر الشرق وإلا حسبوه ما شاؤا وشاء لهم قصر النظر وضيق المضطرب فأباحوا ذماره وابتلوه بالكره وبرموا بأمره وأنفوا له ولأنفسهم منه ثم هم يرون أنه كما ينسلخ أحدهم من جلدته في الأمة تستطيع الأمة أن تنسلخ من جلدتها في التاريخ فإذا كانت لنا مدنية ولغة وآداب استطعنا إن نتبدل بها مما يحبون مدنية ولغة وآدابا ولا ضرر في ذلك علينا ولا ضرار فأولى لهذه الفئة وأولى لها.

ورأينا بإزاء نشئنا قوماً جمدوا على القديم فكانوا أقدم منه واستمسكوا بكل مالنا من تاريخ ومدينة وعادت حتى كأنهم بعض ما هجر من ذلك فلا يرون أن تأخذ الأمة شيأ إلا ما لا حفل به مما لا ينوع تاريخها ولا يبسط في لغتها ولا ينكر من أمرها كأنها مادة جامدة في الفضاء، وكأن البلى أمنها من البلاء، وأعفاها على الدهر من العفاء، والفريقان إنما أتيا من جهة واحدة وهي سوء التقدير فيما ينفع وما يضر فلا يستبطنون الأمر يغرهم ظاهره، ولا يكتنهون ما يسرهم أوله إذا كان يسوء غيره آخره، ولقد كان من ذلك أن الأمة لم تنتفع بكليهما لأن أحدهما يجهل أمرها على علم بما ينفع غيرها من الأمم والآخر يعلم أمرها