للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على جهل. فرأينا أن يكون البيان صلة بين الفريقين ليجمع في منفعة الأمة ما ترك الزمن من أدب وحكمة وما استحدث من علم وقوة ويصرف حب نشئها إليها بما يقفهم عليه من آدابها وما يكشف لهم من أسرار مدنيتها فهم إنما بهتوا لظنهم أنها أمة اختلست غفلة الأمم فكان أمر مدنيتها استطالة وتمكنا أو كأمر المستبد بإرادته إذ لا يجد إرادة تعارضها ولا عزيمة تقوم لها فحسبوا أن ما ذهب به الزمن من مجدها ذهب بحقيقته معه إذ لم تكن له في وهمهم حقيقة تجري على سنن الاجتماع وتصلح أن تكون في عصر العلم والفلسفة مما يلائم أرقى ما انتهى إليه العلم والفلسفة.

وذلك الذي أراده البيان منزع لعمري غير أنه بعيد الشقة كثير الغمرات وغير أننا ضمننا أطرافه ونحينا عن النفس في أمره الضجر والملل وسلكنا إليه في مذاهبه وطلبناه بمطالبه وما سنة البيان الخالية إلا مرحلة طويناها بين الأمة وبين قلوب نشئها وكهولها والله المستعان على ما نستقبل.

والقارئ إذا تدبر ما أسلفناه رأي أننا أحكمنا الأمر في اختيار أبواب البيان إذا جعلناها على الجهات الأربعة: اللغة والتاريخ والنقل والتعريب: فما خرج شيء من مجدنا ولا يعود إلا منها وهي أبواب تجمع بيننا وبين مدنيتنا الأدبية ثم تصل هذه بمدنيات الأمم.

(ونحن) قائلون كلمة موجزة في فضل هذه المذاهب الأربعة وشرفها على ما سراها ليعرف القوم لم آثرناها وحتى يكون القراء معنا جميعا على بينة مما نرمي إليه فإن ذلك مما يزكي عملنا وينميه إذ يجعل البيان لكل قارئ كأنه بيان للناس.

فأما اللغة فأصل الأمر فيها أن يديرها المتكلمون على محاكاتهم ويرموا بها إلى أغراضهم ويجعلوها من متناول الحس فإن هي وفت بحاجتهم اقتصروا عليها وإلا استبدلوا منها ذهبوا بها اشتقاقا وبحتا، ومسخا بحتا، لا يبالون ما نسبة حديث إلى قديم من ألفاظها وتراكيبها إذ القديم والحديث سواء عند الحاجة الحادثة إذا لم يبتغ بهما إلا التسبب إليها. ومن ثم كانت العامة وأشباه العامة آفة على اللغات في أخلاق جدتها وتصويح زهرتها والذهاب بما فيها من ماء ورونق حتى تصبح في أطراف الألسنة كزة كأنها مادة لا أثر فيها للفكر بل يلقيها ما تدل عليه من ضروب المادة وأنواعها التي يعبر عنها كما يلقى الإشارات على أصابع الخرس وإن هذه لتجئ أصدق وأوفى بالدلالة في أصل الوضع لأنها تشير إلى الحواس