للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المركب تزجيه حسنة إلى مدينة ريو وكان ذلك في فجر اليوم التاسع ليوم انفصالنا عن الإسكندرية وما ارسي المركب على هذه المدينة حتى اقلع عنها كيلا يحسه أسطول العبيدين ويثأر منه وذلك فيما علمت أن المركب الأندلسي تحرش وهو ذاهب إلى بلاد المشرق بمركب للمعز معه كتب ورسائل فقطع عليه المركب الأندلسي وأخذه بما فيه - فتملكنا الذعر لذلك الخبر ونزت قلوبنا خوفا على أنفسنا ومن ثم اعتزمت إن انزل من هذا المركب على اقرب بلد يرسي عليه وكذلك نزلت منه عند إرسائه على هذه المدينة وحمدت الله الذي لا يحمد على المحبوب والمكروه سواه.

بيد إني ما انفصلت عن المركب حتى انفصل عني قلبي وسار مع من فيه وأصبحت المعني بقول القائل:

هواي مع الركب اليمانيين مصعد جنيب وجثماني بمكة موثق

ذاك انفصالي عن فضل المدينة التي هي مراد السمع ومرتع النفس وربيع القلب ومجال الهوى ومسلاة الكئيب وانس الوحيد وزاد الراكب ولا بدع فهناك الجمال الرائع، والظرف البارع، والشباب البض، والأدب الغض، ورقة الحاشية، وخفة الناحية، وعذوبة المعاشرة، وحلاوة المحاضرة.

وحديتها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز

أن طالما لم يملل وأن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز

شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز

فكأن لفظ حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا

وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا

حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا

تنسى الغوا معاده ... وتكون للحكماء ذكرا

وما أنس من الأشياء لا أنس صوتها العذب الذي كأنه مجاج النحل وغناءها الحبيب إلى النفوس حتى كأنه ذوب جميع القلوب وقد كان يخيل إلينا وهي تغنينا في المركب أنا في الفردوس يطربنا نبي الله داود. وأين لا أين مزهرها الذي كانت إذا تناولته تضرب على أوتاره فكأنما تنتظم قلوبنا لتقرع أوتارها. فآه من جمالها وآه من غنائها وآه من عودها.