للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان مرتدا أو مقيما على دينه وإن أخرجوا حجرا منه هدمت كنائسهم كلها بصقلية وأفريقية فوفى الروم بهذه الشروط كلها ذلة وصغارا.

أما قنورية فهي جزيرة كبيرة داخلة في البحر مستطيلة شرقي جزيرة صقلية وأهلها إفرنج ولها بلاد كثيرة وأرض واسعة ينسب إليها فيما أحسب أبو العباس القلورى حدث عنه أبو داود السجستاني في سننه، وقد غزى المسلمون أزمان بني الأغلب هذه الجزيرة وأرض أنكبردة وأمعنوا فيهما واستولوا على مدينة بارة الواقعة على جون البنادقيين أيام قارله أنبرور الفرنج وكذلك استولوا على مدينة طارنت من أرض أكنبردة ومدينة ملف وقلعة قسانة وبلدانا أخرى وقرعوا أبواب رومة العظيمة، وغنموا منها غنائم لا يستقام لها قيمة، وضربوا الجزية على البابا عظيم النصرانية - وذلك عدا أنهم فتحوا مدينة جنوة الواقعة على خليج الجنويين وأكثر جزائر هذا البحر الرومي - وجملة القول أن المسلمينا انحنوا في بلاد الأرض الكبيرة والحوافى قهرها، وغلبوا أممها على أمرها، وضربت أساطيلهم بجزائر هذا البحر ضراء الضياغم بفرائسها، وأديل لهم بها على أملاكها وأناسها، وذلك كله بما قوى عزائهم من الحق واليقين، وألف بين قلوبهم من وشائج هذا الدين، وبما ألجأتهم إليه الحال، وامتلاكهم لسيف هذا البحر الجم الأهوال، مما أحكمهم وأشفهم بحبه، وجعل لهم دربة بركوبه وحربه، وأغراهم بإنشاء الأساطيل فيه ينقضون بها على جزائره التي يخطئها العد والإحصاء، وعلى عدوته الشمالية وهي أمنع من العقاب في أجواز الفضاء، وعلى أهلها من أمم فرنجة وهي أعز وأبعد منالا، وإن كان للمسلمين.

شرف ينطح السماك بروقيه ... وعز يقلقل الأجبالا

وهم البحر ذو الغوارب إلا ... أنه صار عند بحرك آلا

وقد كان المسلمون في الصدر الأول يتحاشون ركوب البحر حتى كان من عمر بن الخطاب لما كتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر يستوصفه البحر فكتب إليه عمرو فيما كتب أن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود - أن أوعز بمنع المسلمين من ركوبه فتحرجوا منه وعبروا على ذلك حينا من الدهر حتى إذا كان لعهد معاوية أذن في ركوب أثباجه، والجهاد على متون أمواجه - وذلك لأن العرب لبداوتهم لم يكن لهم مران عليه وحذق بركوبه بينما الروم والفرنجة لممارستهم أحواله ومرباهم في التقلب على