للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بشكسبير، تباهى الألماني بجيتى وتاه الإيطالي بدانتي وازدهى الفرنسي بهوجو. ولقد تردد حول هذه الأسماء صدي متتابع الدوي، وعلا صريف الأقلام بذكرهم، واشتغل بال الأمم بأقوالهم، فدل ذلك على أن سيرة هؤلاء الأبطال ضمينة بأن تملأ حيز العصبية من أذهان الناس، وأنهم أقدر على توجيه الأنظار إليهم من أمثال كروميل وفردريك العظيم وغريبالدي ونابليون، وهي عصبية لا تثير في ذاكرة الشعوب ضغينة ثأر أو حزازة انتقام، وإنما هي آصرة تؤلف بين قلوبهم. وتأخذ بأيدهم إلى التصافح، وبنفوسهم إلى التآخي والتسامح. وتقودهم لا إلى ساحة القتال. ولكن إلى باحة المودة والسلام.

وهذه العصبية وما شابهها من العصبيات الاقتصادية أو العلمية. هي الجديرة دون سواها بهذا الجيل. فقد مضى زمان الأمم الفاتحة، وليس في العالم ليومنا هذا أمة تريد أن تنجب مثل يوليوس قيصر أو نابليون بونابرت أو محمد الفاتح أو طارق بن زياد لأنها في غنى عنهم ولا نفع لها من أمثالهم. إن اليوم الذي تهيء له دول أوربا ما تهيء من آلات الفناء والموت، لن تشرق له شمس. وما على المدنية أن ترهب اليوم لإلا جيشاً واحداً هو جيش الرياء والنفاق الذي تمكن من الطباع والأخلاق وليست بها حاجة إلى شجاعة غير الجرأة في الرأي والصبر على الشدة وآلام النفس، فنحن في حرب مع الرذيلة دونها كل حرب فتكاً وهولاً. وليست هذه الحروب الدموية إلا دخان تلك الحرب المستطير شررها في أعماق نفوسنا. والباسل الباسل من وفق بين سيرته وسريرته ورفع راية السلام بين لسانه وضميره، فإن كانت الحرب تثير نخوة الوحشية والقسوة، فهذه الحرب تبعث في الضمير نخوة الإنسانية والمروءة.

أقدر في حكم الحقيقة وأنفع، وأعلا في معارج الفضيلة وأرفع، رجل يتجرع غصص العذاب في سبيل رأيه، ويتجاوز عن راحته فيما يعتقد أنه الحق والعدل. فإن الصبر على جرح في النفس أدل على قوة الرجل من صبره على جرح في الجسد، وإن دابة المركبة لتحتمل من الجراح ما ينوء ببعضه أجلد الناس وإن كان هرقلاً ثانياً.

يقول أنصار الحرب: وماذا نصنع بالألوف المؤلفة ممن لا مرتزق لهم إلا من الحرب أو من صنع أدواتها وآلاتها؟؟

نقول إذا لم يبق من مسوغات الحرب إلا هذا فاصنعوا بهم ما أنتم صانعون بتجار