للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بارداً حتى لا يشقى عليه الاستحمام في الشتاء بالبارد من الماء ولو كان مثلوجاً ولا بأس من اتخاذ مقياس للحرارة ليكون الانتقال من الحار إلى البارد تدريجاً ورياضة من غير أن يحس الطفل أو يتأذى به.

ولا ينبغي أن يعتاق الطفل شيء عن الاستحمام أو يحول من دونه حائل واعلم أنه ليس أرد على الجسم ولا أعود عليه بالصحة من الاستحمام لا لما يستدعيه من نظافة البدن وبضاضة البشرة وحسن الرواء ولكن لأنه يلين ألياف الجسم وأنسجته ويكسبها شدة تقاوم بها اختلاف درجات الحر والبرد ومن أجل هذا أرى أن يعود الطفل الاستحمام بالماء في جميع درجاته لتشتد بضعته ويصلب عضله وأنت خبير أن من يحتمل اختلاف درجات الماء وهو المباشر لكل موضوع في جسمه فهو على اختلاف حالات الجو أقوى وأصبر.

واعلم أنك لن ترى شيئاً أكثر من الذي عليه الناس في أمر الثياب وذلك أنه ما من أحد إلا وهو يأخذ على يد طفله ويهيضه بما يلبسه من الثياب ويلفه فيه من الخرق والقمط ويضع على رأسه من القبعات والقلانس من حيث يحسب أنه يقيه غائلة البرد وأضرار التعرض للهواء وما إلى ذلك وإني لست أعلم شيئاً هو أسخف من هذا الرأي ولا أقبح ولا أسوأ وإنما الرأي أن تكسو طفلك الثياب الواسعة الفضفاضة التي لا تغل أعضاءه عن الحركة ولتكن لا ثقيلة فتقعده ولا غليظة النسج فتمنعه من الإحساس بالهواء. لأن إلباس الطفل أثقل الثياب وحبسه في الغرف يوهن عظمه ويرقق جلده والهواء البارد لا خوف منه بل لعله أبعث على النشاط وأرفق بالجسم وإنما يلحق الضرر البين بالجسم ويدخل عليه الأذى الجسيم الهواء السخين الذي يترك للجسد التوصيم والتكسير والفتور فضعوا الطفل في مهد واسع دمث الوثار ليملك أمره وحريته حتى إذا بدأ يشتد ويتماسك فدعوه يدب في نواحي الغرفة فإن هذه الحركة توثيقاً لأعضائه وأمراراً لقواه وأنت إن كنت في شك من ذلك فقارن بين طفل نشأ على الحرية والحركة وآخر مساوٍ له في العمر لكنه موثق الكتاف مقيد الحركة تر فرق ما بينهما في النماء والقوة.

أكرر أن تربية الطفل تبتدىء يوم يولد وأن تعليمه يسبق النطق والفهم وأن التجارب تتقدم الدروس وأنه حين يفطن إلى ظئره قد عرف شيئاً كثيراً. ولو أن قسمنا معرفة الناس وعلمهم إلى قسمين وجعلنا أحدهما سواء فيه كل الناس والثاني قاصراً على العلماء منهم