للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما أن قضيت صلاتي خرجت من المسجد وقصدت إلى مرسى السفين فوجدت ثمت مركباً يريد أن يعبر إلى جزيرة صقلية فنزلته ثم قلع وعبر بنا إلى مدينة مسيني إحدى مدائن هذه الجزيرة وأرسي فيها على مرسى عجيب يأخذ بالألباب وذلك أن أكبر ما يكون من السفن يرسي من الشاطئ بحيث يتناول ما فيها من البر بالأيدي.

وقبل أن نسترسل في القوة على مدينة مسيني وسائر البلدان التي مررت بها في هذه الجزيرة العجيبة نذكر لك شيئاً من تقويمها وتاريخها حتى تكون على بينة من أمرها إن شاء الله.

صقلية

هي جزيرة في البحر كبيرة على شكل مثلث متساوي الساقين زاويته الحادة من غربي الجزيرة بينها وبين ريو وبلاد قلورية من بر الأرض الكبيرة مجاز مسيني حيث يتراوح البحر بين ستة أميال وعشرة أميال وبين ذنبها الغربي وبين تونس نيف وستون ميلاً وزاويتها الجنوبية تقابل طرابلس من أفريقية وبالقرب من زاويتها الشمالية جزيرة صغيرة فيها بركان النار الذي لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه. وهذا بركان كان اسم لجبلين أحدهما هذا والثاني في صقلية نفسها وفي أرض خفيفة التربة كثيرة الكهوف ولا يزال يصعد من ذلك الجبل لهب النار تارة والدخان أخرى، ومن ثم كانت كثيرة الزلازل بحيث يكثر تهدم أبنيتها منها.

وقد كانت هذه الجزيرة قبل الفتح خاملة قليلة العمارة وكانت من عمالات الروم وأمرها راجع إلى الأنبرو صاحب قسطنطينية وكان عليها والٍ من قبل هذا الأنبرو ويسمى قسطنطين وكانت أفريقية تحت ولاية زيادة الله ابن الأغلب كان والياً عليها من قبل المأمون بن هرون الرشيد فلما كانت سنة ثنتي عشرة ومائتين استعمل الأنبرو على الأسطول قائداً رومياً يسمى فيمي وكان حازماً شجاعاً فغزا سواحل أفريقية وعبث فيها وبقي هناك مدة وبعد ذلك كتب الأنبرو إلى قسطنطين يأمره بالقبض على فيمي وتعذيبه فنمي الخبر إلى فيمي فانتفض وتعصب له أصحابه وسار إلى مدينة سرقوسة إحدى مدائن صقلية فملكها فسار إليه قسطنطين فالتقوا واقتتلوا فانهزم قسطنطين إلى مدينة قطانية فسير إليه فيمي جيشاً فقبضوا عليه وقتلوه واستولى فيمي على صقلية وخوطب بالملك وولى