للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مستقبل الدولة العثمانية]

لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل

وحسن سياسة

حكمة عربية

قال لامارتين: الإمبراطورية العثمانية تنقض اليوم لبنة بعد لبنة ويوشك أن تخلي اليوم أو غداً أقاليمها الواسعة فتتركها بلاقع قفراً من السكان. نهباً للتشعث واللوضي. ولا حاجة إلى التعجيل بتقويض هذا التمثال العظيم بدفعة يد أو لمسة بنان. فإنه ينهدم طوعاً أو كرهاً، ويتداعى لوهن سرى في أجزائه، واستقر في بنائه، وتخلخل لسنا نعرف إلى من نعزوه، ولا هو مما يستطاع الاحتيال على تدعيمه أو يقدر الترك أو أوربة على تقويمه.

كتب لامارتين هذه الكلمات سنة ١٨٣٥. عقب حروب توالت بين الدولة وهذه الدول الناشئة التي تصاولها اليوم، ولكنها لم تكن حرب الطامع النهم أو إغارة الجائع الملتهم، بل كانت تملص مأسور يجاهد سلاسل الأسر.

وثورة مقهور ينحي عن كاهله نير الذل والقهر. ثم دعا الدول إلى عقد مؤتمر تتفق فيه على تقسيم أسلاب آل عثمان وتفريق تلك البقاع الخصبة بين أبناء آدم ليعمروا خرابها ويستغلوا يبابها. ويتيمموا منها صعيداً رق هواؤه وتدفق ماؤه. فيتكاثر عددهم ويعيشون هنالك آمنين في ظل أوربة.

ولا أحسب أنه كان يدور بخلد لامرتين يومئذ أن ذلك التمثال العظيم سيبقى بعده قائماً يقرقع ولا يسقط، ويظل إلى العام وهو يتصدع ثم لا يهبط فكيف إذا رآه اليوم وقد اشتكرت حوليه زعازع الخطوب، واشتجرت حفافيه مطامع الشعوب. .

وما كان لامرتين بأشد تطيراً من كثير من القاطنين في هذه الأيام. فإنك قلّ أن تصادف من لا يقول لك: لقد نزلت الطامة الكبرى، وآن لهذا الهلال أن يطوى. وغنه قد حق على هذه الدولة أن تمحى. ثم يقول إنما نحن نشهد اليوم في شرق أوروبة ما شهده الناس من قبل في غربها غير أن الأندلس قد خلفت بعدها من لو شاء لاعتبر بمصيرها. فهل يبقى منا بعد اليوم من يعتبر بمصيرنا ويتعظ بتفريطنا. .

كذلك زلزلت الصدمة قلوب العثمانيين فيئسوا من الدنيا كأن أوربة هي كل الدنيا. ولو كانت