للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متأهب للحرب يلبي نفيره، ويتبع ركابه. وما دامت الجبهة نقية من الغصون، فلا حاجة إلى فحص الجسم في حكم ابن خلدون.

وقد نظر إلى دولة الترك في أيامه هذه النظرة، ولو أنه عاش حتى يرى دولتهم تتجاوز المئة إلى المئين لما غير حكمه ولكان يرى أنها داوت هرمها باستجلاب الجند من غير جلدتها. وذلك كقوله: وربما يحدث في الدولة إذا طرقها الهرم بالترف والراحة أن يتخير صاحب الدولة أنصاراً وشيعةً من غير جلدتهم ممن تعودوا الخشونة فيتخذهم جنداً يكون أصبر على الحرب وأقدر على معاناة الشدائد من الجوع والشظف ويكون ذلك دواء للدولة من الهرم الذي عساه أن يطرقها حتى بإذن الله فيها بأمره. وهذا كما وقع في دولة الترك بالمشرق فإن غالب جندها الموالي من الترك، فتتخير ملوكهم من أولئك المماليك المجلوبين إليهم فرساناً وجنداً، فيكونون أجرأ على الحرب وأصبر على الشظف من أبناء المماليك الذين كانوا قبلهم وربوا في ماء النعيم والسلطان وظله.

وكيف كانت قاعدة ابن خلدون قاصرة عن الانطباق على أطوار الفتوة والهرم في الأمم الحاضرة، فلا مراء أنه قد أصاب شاكلة السداد في حكمه على دولة الترك، فإنها كانت إلى ما قبل اليوم ببضعة أعوام دولة دعامتها الجند وأساسها سلطة الحكومة، فلما دب الوهن إلى حكومتها، وتضعضت قواها الفاتحة. لم ينشب أن قعد بها العجز وتضاءلت سطوتها. ولكنها الدولة التي شاخت وليست الأمة، لأنها كانت تتلقى الصدمات منفردة، وكان لا يصيب أمتها من تلك الصدمات إلا ما لا بد منه في أمة تغفل حكومتها عن رعايتها وتدريب قواها الحيوية.

وقد اتفق ماكيافيلي وابن خلدون في تعيين مركز القوة من دولة الترك. لأنهما نظرا إليها من نقطة واحدة. وماكيافيلي عند الطليان كابن خلدون عند العرب. وكلاهما قد أخذ قضاياه عن أحوال الإمارات القديمة. فجاءت مقدمة ابن خلدون وكتاب ماكيافيلي الذي وسمه باسم الأمير على اتفاق غريب في وصف أنواع الحكومات. ومناشئ المنعة والانحلال فيها. لاسيما كلامهما عن الممالك الدينية والعسكرية. وكان عبد الحميد يكثر درس كتاب ماكيافيلي درس مستفيد وأمر بنقله إلى اللغة التركية. ولعله أخذ منه كثيراً من خططه السياسية التي أشار بها الرجل على الملوك المستبدين. قال ماكيافيلي بعد كلام عن الفرق بين تذليل