للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المثل بحمقه. قيل أنه كان يرعى غنماً لقومه فكان ينحى العجاف عن المرعى ويرعى السمان فمر به رجل لامه على ذلك فقال لا أخالف ما فعل الله!! فهل هذا فلسفة من هبنقة أو هو جنون من نيتشه؟؟

ولعمري لو كان للمجتمع أن يقتل من أبنائه أحداً بغير جريرة لما كان قاتلاً إلا طغمة القساة الغلاظ لأن القسوة خلق لا ينتفع به في الجمعيات الإنسانية. ولئن كانت الأنانية أوفق لغريزة حفظ الذات كما قد يبدو للنظر السطحي. فالرحمة أوفق لغريزة التضامن الإنساني وهي أقوى في النفس وأشرف. وليس أدل على ذلك من كونها تغلبت على مبادئ نيتشه نبي الأنانية فساقته مكرهاً إلى غرضها - وإلا فما هذا التسخط والصياح وما هذه الجلبة الضخمة التي قرع طبولها حتى كاد يخرقها؟؟ أليس كل ذلك سعياً منه في إصلاح النوع، وبرهاناً على تأصل تلك الغريزة القاهرة التي كأنها أرادت أن تهزأ بدعاويه الطويلة العريضة في فضيلة الأنانية والأثرة؟؟

إن كان نيتشه يبرر القسوة عند القساة فإنها طبع فيهم، فالجريمة طبع في المجرم كما أطهر علم العقل الحديث، ولكن نيتشه يعد المجرمين باكورة إنسانه المنتظر بدلاً من أن يعدهم طغمة مصابة بنوع من الجنون الجانبي فأفسد فيهم حاسة الشعور بالواجب عليهم للجمعية المدنية أو النوع الإنساني. هذا الشعور المغروس في غرائز النحل والعنكبوت، والذي يجبر إناث بعض الحيوان وذكور بعضه على التفريط في حياتها في سبيل إنتاج الذرية أو إطالة حياة نوعها.

أما الفضائل الحظية عند نيتشه فهي الكبرياء إلى حد التأله، والقسوة إلى حد الوحشية، والخشونة إلى حد العجرفة، وهو عدو الدعة وسهولة العريكة وضعة النفس ويرى أنه لا حق لأصحاب هذه الأخلاق في الحياة لأن أخلاقهم منافية لموجباتها وبديه أننا لو جرينا على هذا الرأي لقضينا على مثل روسو السوداوي الحزين. ولكن روسو على ضعف نفسه وضؤولة إحساسه. قد أحدث بكلماته انقلاباً لا شك أن نيتشه يحسب نفسه من أسعد السعداء لو استطاع أن يحدث انقلاباً يدانيه في البطش والقوة، بكل ما في طبعه من الصلف والفظاظة.

فالطباع الإنسانية متشابكة ملتفة لا يسهل تخليص إحداها من سائرها. وليست الرحمة أو ما