للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في زينة جديدة قد يثير أطماعنا وحسدنا وإن مصاحبة شرير واحد قد تجر على النفس من الفساد ما لا قبل لها بالخلاص منه فإذا كان كل هذا يصيبنا من معاشرة إنسان واحد فكيف لا يكون الخطر شديداً علينا من مخالطة جمهور غفير من الناس جمعت نفوسهم خصال الشر بأجمعها فيضطر المرء إما إلى بغضهم وكراهة معاشرتهم وإما إلى مجاراتهم والانتظام في سلكهم، أما أنا فلا أرضى لك سلوك أحد هذين الطريقين فلا أشير عليك بكراهة السواد الأعظم لأنهم ليسوا على شاكلتك كما لا أقر على مجاراة شرارهم في أخلاقهم وأفعالهم بل الذي أشير به عليك أن تعتزل الناس وتبتعد عن غوغائهم وتشتغل بنفسك ما أمكنك ذلك ولا بأس أن تعاشر من تجد في معاشرتهم ما يزيدك من خلال الخير وأن تخالط من تتوسم فيهم حبه والرغبة في تعلمه فتهديهم سبيله وترشدهم إلى مناهجه ولنعمت الحال في تبادل المنفعة والفوائد فالمرء قد يتعلم وهو يعلم وإنما أحذرك التطوح والشطط وألا يخدعك غرور نفسك فترغب في إظهار مقدرتك وعلمك على الملأ بالخطابة فيه أو القراءة عليه فإني لا أسمح لك بذلك ولا أجيزه إلا إذا كان المستمعون إليك على شاكلتك في الفضائل ورفعة النفس وهم مع الأسف قليل عنيدهم بل أن من قد يأتون إليك لتعلمهم هذه الحكمة على ما أنت عليه قد لا يزيد عددهم عن رجلين أو ثلاثة رجال ولقد تقول وعلام إذاً أجهد نفسي في التحصيل ومن ذا الذي أعلمه كل ما حصلت من العلم؟ أقول لتطمئن نفسك وليسكن روعك فإن تعلمك لم يضع عليك ولم يذهب سدى لأنك إنما تعلمت لنفسك على أني أخالف ما قررت آنفاً وإني لم أتعلم لنفسي وحدها بأن أسرد على سمعك ها هنا ثلاث حكم لا تخرج عن معنى ما قررت وها هي ذه: قال ديمقريطس: الواحد هو الكل لأن الكل لا يتركب إلا من الواحد أما الكلمة الثانية فإني أوافق عليها كل الموافقة مهما كان قائلها الذي لا يعرف وهي جواب سؤال سئل فيه عن تأليف دقيق وضعه وعني به عناية كبيرة فقيل له: لم عنيت كل هذه العناية بتصنيف هذا الكتاب الذي لا يقرأه إلا القليل من الناس ممن يفهمونه فأجاب على الفور: إني لا أريد إلا هذا القدر القليل من القراء بل قارئاً واحداً ليس بقليل ويؤثر عن أبيقور هذه الحكمة المشهورة التي ضمنها كتاباً بعث به إلى أحد رفقائه في طلب العلم قال: (هذا الذي أكتب به إليك إنما هو لك وحدك وليس للجمهور وأنا وأنت نكون مسرحاً عظيماً) فدقق أيها الصديق في فهم مغزى هذه