للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما فتحها العباس الأغلبي بني فيها في الحال مسجداً ونصب فيه منبراً وخطب فيه يوم الجمعة وذل الروم بصقلية يومئذ ذلاً عظيماً.

وبعد فهذا الذي ذكرنا من بلدان هذه الجزيرة إنما هو غيض من فيض ونحسن إذا حاولنا ذكر سائر المدن والقرى والقلاع المعروفة في هذه الجزيرة، لاحتجناك عَمْرَك الله إلى أسفار كثيرة، وفي القدر غناء.

وقد رأينا من تمام الفائدة أن نصور للناظر في هذه الرسالة جزيرة صقلية وبعض بلدانها المشهورة وبلاد قلورية ومدينة ريو وجزائر أقريطش وسردينية قرشقة وميورقة ومنورقة ويابسة ومدينتي الإسكندرية والمرية وبالجملة كل ما جاء له ذكر في هذه الرسالة.

وقد آن لنا أن نرجع إلى ما نحن بصدد منه.

مدينة مسيني

أما مدينة مسيني فهي في ركن من الجزيرة بشرقيها مستندة إلى جبال قد انتظمت حضيضها وخناديقها والبحر يعترض أمامها في الجهة الجنوبية منها ومرساها أعجب مراسي البلاد البحرية كما أسلفنا لأنو المراكب الكبار تدنو فيه من البر حتى تكاد تمسكه ولا يحتاج إلى زواريق في وسقها ولا في تغريفها إلا ما كان مرسيا على البعد منها يسيرا فتراها مصطفة مع البر كاصطفاف الجياد في مرابطها وإصطبلاتها وذلك لإفراط العمق فيها.

وهذه مسيني هي رأس جزيرة صقلية وهي كثيرة العمائر والضياع وأرضها طيبة المنابت وبها جنات وبساتين ذات أثمار كثيرة ولها أنهار غزيرة عليها أرجاء جمة.

ولما نزلت إلى هذه المدينة سلمت أمتعتي إلى أحد الحمالين وقصدت معه أحد الفنادق فذهب بي إلى فندق قائم على جبل مطل على المدينة وكان لأحد مغاربة إفريقية فاحتفى بي صاحبه وبالغ في إكرامي واحتفل في راحتي حتى أنساني برقة حاشيته وطيب أنسه مجاشم السفر وذل الاغتراب - وقد صادفت في هذا الفندق أبا عبد الله الصقلي الفيلسوف وكان قد نهد أيده إليه من بلرم إلى مسيني لما علم بقدومي فكمل أنسى به وعراني من الغبطة والسرور ما لا يقوم بالعبارة عنه بيان. ولا يروم اطلاع فجه لسان. ولا سيما حين أخبرني أبو عبد الله أن ينتوي الذهوب إلى الأندلس وهي منتواي ومقصدي.