للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليس لإغواء الفتاة الشرقية عندي إلا طعمة واحدة. فأما فتاة الغرب فإني أنصب لها أحبولة بعد أحبولة حتى تقع في يدي، وتصبح فريسة لي. فإذا انتقلت بالشرقية من الصيانة إلى العشق أبصرت نفسها قد انتقلت إلى حال ينكرها أهلها وذووها، ويستهجنها الناس من حولها، وعلمت أن ما هي فيه رجس لا يرضاه إلا هي. فخلعت العذراء وأرسلت نفسها في التيار، فذهبت إلى الغابة من التبذل والاستهتار.

فأما أختها الغربية فلا بأس بها من العشق ولا إنكار عليها فيه. فإذا أحبت لم ينته منها أربي. بل لا أزال أتنقل بها من العشق في أدوار شتى، وأتدرج بها من السائغ إلى المحظور ومن الطيب إلى الخبيث حتى يفضي بها الأمر إلى الفساد.

وكذلك أستفيد من غلو الشرقيين في فضائلهم ما لا أستفيده من تفريط سواهم. فكلما ضيقوا دائرة الفضيلة اتسعت دائرة الرذيلة، أو حصروا حدود الحسنات، انفرجت حدود السيئات.

وآنست من مريم استعصاء وتثاقلاً. فأخذت بيدها إلى نافذة تطل على حديقة جارهم. وكان في القصر الذي فيه الحديقة فتاة من لداتها قد سبحت في الغواية سبحاً، وتقلبت في المقابح ردحاً، وكانت يوم ذاك في هوى فتى هو ثالث عشاقها، والفتاة في العشق على مذهب أولئك الذين يخجلون من أن تراهم اليوم مع عاشق الأمس، ويحسبون أن الدوام على عاشق واحد كالدوام على لباس واحد. هذا ينم عن فقر إلى المال، وذاك يبين عن فقر إلى الجمال.

وكان الفتى يختلف إليها في الحديقة. وتعلم أمها من شأنها ما تعلم، ولكنها كانت تبادلها غض النظر. ولعلها لا تكره زيارة الفتى لأن عين بنت الثلاثين قد ترى كما ترى عين بنت الخمس والعشر!!

وكان مجلسهما في الحديقة تحت سرحة فرعاء، فيقضيان هنالك ساعة أو ساعات لا مقدار لها في تقويم العاشقين، لأن إله الحب وربات الزمن لا يتلاقون في مكان واحد، فإذا شغل الحب موضعاً فزمنه الزمن، وإذا خلا موضع من الحب تمطي به الوقت وتطاولت فيه الساعات.

وجلسا في تلك اللحظة وقد تعاقدا بالأيدي، وتجاذبا بالنظر فكأنهما يعالجان التنويم المغناطيسي، أو كأن كلاً منهما قد جمع روحه في عينيه لتتعرف من وجه صاحبه روحاً لقيتها في عالم الذر، فيطول أمد النظرة لطول العهد، ثم تختم بقبلة لا يدريان أهي راحة