للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإن كان كل روائي مديناً (لهومر) إلا أن هذا ليس بمانع أن يدرك شأوه أحد من غير أن يزري به، كما أزري (جاليليو) بدائنه (متزو) وكما أزري (كبلر) (بجاليليو) و (ديكارت) بالجميع وإنما كان هذا كذلك لأن العلم لا يقف عند حد، ولا يطمئن إلى حال فهو أبداً في تقدم، ولعل خير الكتب العلمية أحدثها، فالجديد منها ينسخ القديم، والمتأخر من العلماء يبني على ما أسس المتقدمون، ويشيد على ما وضع الأولون، والأصل في كل شيء أن يزيد ويقوى ويتقدم، ولكن جمال الشعر في أنه ليس قابلاً لشيء من ذلك، لأنه ابن الإرادة، ولأن العلم اكتسابي والشعر وحي وإلهام، فإن امتريت في هذا فأرجع البصر في القرون الخالية هل ترى شكسبير غض من دانتي، أو دانتي من هومر؟ وليس معنى هذا أن الشعر جامد لا يطرأ عليه تغير، ولا يلحقه تحول، وإنما معناه أنه يتحول ولا يتقدم، فإن شعر أبي تمام غير شعر المتنبي وإن كانت الأغراض واحدة، ولا الثاني بعد لا يفضل الأول ولا الأول الثاني. .

ولكن ما عسي دهشة صولون تكون إذا علم أنّا لا نعتمد اليوم في حساب السنة على القمر، أو زينون إذا رآنا نسخر من قوله أن الروح مقسمة إلى ثمانية أجزاء، أو أفلاطون وهو من تعلم إذا قيل له أن ماء البحر لا يشفى كل داء، أو أبيقور إذا علم أن المادة تتجزأ إلى مالا نهاية له من الأجزاء، أو أرسططاليس إذا قيل له أن خامس العناصر ليس له حركة كروية، لأنه ليس ثمة عنصر خامس، أو أيمنيد إذا علم أن اختلاط الشاء والنعم بيضائها بسودائها وتقديم بعضها قرباناً للألهة لا ينفع من الطاعون ولا غيره، أو كريسباس إذا قيل له أن الأرض ليست سطحاوان الكون ليس مستديراً محدوداً، وأن لحم الإنسان خير طعام للإنسان، وأن الأب لا ينبغي أن يتزوج من ابنته، وأنه رب كلمة لا تقتل الحية ولا تذلل الدب، ولا توقف النسور في الجو، وأنه وإن كان سيف (جوبتر) مصنوعاً من خشب السروفليس يجب من أجل ذلك أن لا يصنع النعش منه، وأن العنقاء لا تعيش في النار ولا في غيرها، وأن الهواء لا يحمل الأرض كما تحمل العربة الأثقال، وأن الشمس لا تشرب من البحر ولا القمر من الأنهار، وأنه لا يعرف شيئاً وإن كان أهل (أثينا) قد نصبوا له تمثالاً نقشوا عليه:

إلى كريسباس الذي يعرف كل شيء.