للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورعاية حرمة البيت هي أساس قوتهم وهي الجذر الذى عنه تتشعب فروع الأمة وتسمو صُعُداً. فهم يمسون ويصبحون وأول أغراض تجاربهم ودولتهم هو صيانة استقلال بيوتهم وحفظ حريتها. ورعاية حرمة البيت وقضاء حقوقه غريزة تجرى مع النفس يحملها الإنكليزي بين جنبيه أينما حل وارتحل سواء نزل المعسكر أو البلاط. ولقد كان ولنجتون وهو قائد الجيوش البريطانية في اسبانيا لا يكاد يبرح مكانه حذراً من غرماء دولته. وزعم المستر كوبيت أن الوزير السير برسفال لم يكتسب رضا الناس طراً إلا بفضل حضوره الكنيسة كل أحد يحمل في يمينه إنجيلاً مذهباً وفي يساره عضد امرأته يتبعه من أنجاله كسرب الظباء أو كالربرب.

والقوم شديدو المحافظة على عاداتهم وأزيائهم وشعائرهم فمن أنعم النظر لمح شبح العصور الوسطى يمشى الضراء في شوارع لندن وكأنما يبصر فرسان تلك القرون يتبايعون على حماية النساء كما كانوا يفعلون أيام الفتوة والنجدة. ولما كان يوم تتويج الأميرة الحاضرة جدد الشعب شعائر القرن الحادى عشر. ومن عاداتهم وراثة المستأجرات والمهن يتوارثون الوظائف والحرب والضياع المستأجرة ويتوارثون كذلك الروايات والأنباء. وربما امتدت مدة التأجير هنالك ألف عام واستمرت الوظيفة والشركة طول العمر أو أورثت قال وردذورث وذكر مزارعى ناحية وستمورلانه كان الكثير من صغار هؤلاء المزارعين يعتقدون أن ما يحرثون من الأرض مازال منذ خمسمائه عام في حوزة أناس من ذوى قرباهم وأرحامهم ولو سألت عن نجار السفن بالمرسى أو غارس البستان بقصر الوزير أو بواب ذلك الأمير لعلمت أن كل واحد من هؤلاء قد ورث عمله أباً عن جد منذ أعوام عديدة.

والقوم يمقتون التغيير والتبديل فطرة جبلوا عليها وقواها في نفوسهم تعاليم فلاسفتهم فلقد قال لهم باكون الوقت خير مبدل وأحسن مصلح وقال لهم شاتام الثقة غرس بطىء النمو وقال لهم كانتج سيروا مع الوقت وقال لهم ولنجتون العادة أرسخ من الطبع.

والإنكليزى شديد الوقار سواء في الكوخ والقصر. كان الموسيقى الشهير ثالبرج يضرب بالبيانو ذات ليلة في حضرة الملكة في حفلة خاصة فأصحبته الملكة صوتها رافعة بالغناء عقيرتها فذاع الخبر فاقشعرت بريطانيا من الذؤابة إلى القدم اشمئزازاً من هذا العمل وأنفة.