للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمراضك وهمومك ومزاجك وديونك وأساليب رأيك وفكرك وأذواقك وأميالك ثم لا يفصلك في أي هذه التفاسير عن سائر بنى جنسك بل ينوطك بهم ويقرنك إليهم؟

أفلا تري بعد أنه ليس في مجالس البرلمان ولا في مقاصير الملوك ولا في غرف التجارة بل في بيوت الناس تعرف أخلاق الجيل الحاضر وآماله! على أنه مطلب عويص - قراءة أخلاق الجيل وآماله من صحائف الدور والمنازل وأسهل منه ولا شك إحصاء سكان البلاد ومساحة أرضها وانتقاد سياستها وإدارتها وكتبها وصورها وأبنيتها. أجل ذلك أهون من إتيان الدور وأهلها واستطلاع أخلاقهم وآمالهم من أساليب معايشهم.

فمل بنا إذن عن المحافل والمجامع إلى البيوت والمنازل وادخل بنا غرفة الجلوس وحجرة المائدة نسمع أحاديث الخوان والسمر وننظر نفقات الناس في مساكنهم. هم يزعمون أن من مزايا هذا العصر الجنوح إلى ملاذ الروح والحياة السامية الجميلة. فلننظر هل بلغ الناس من هذه الحياة سرها ولبابها أو وقفوا عند القشور والظواهر. أترى البيوت تجري في معيشتها على نظام ومبدأ؟ هل تشف لك نفقات الرجل عن طبعه ومزاجه وخلقه وروحه وأمياله وآماله؟ هل نظام نفقة الرجل شفاف مضيء؟ والمرء واجب عليه أن يطيع في نفقاته وحى ضميره ويجرى فيها على غريزة ميله حتى يصبح وليس في بيته وضيعته إلا ما هو عنوان على طبعه ودليل على ميله. ولا يكون المرء مستقلاً نام الرجولة إلا إذا خدم ماله إرادته. وتبعت نفقته مشيئته. فأما من أسلك ماله سبيل مال جاره وقصد بنفقته إلى ما قصد إليه غيره تقليد القرد وحكاية الببغاء فعاجز الرأي ساقط القدر ميت الهمة. وليس الرجل وماله شيئين مختلفين إنما الرجل ماله.

لا يسترين امرؤ إلا ما أحب. ولا يبذلن إلا فيما طلب. ولا ينفقن مجاراة لغيره فإن ذلك مال ضائع. وكذلك ترى. . . . . الأدب أساساً من أسس الأدب كل ماله مبذول في سبيل أفلاطون وأرسطو وفرجيل وسسرو ودانتي. لا تسله إن يرفد بماله ثروة البزاز والبقال لا تسله إن يدخل في شركة لبناء مصنع أو فتح حانوت. تلك أشياء أعلم أن لا بد منها ولكن أدعو إليها غيره. أتحسب إن كتاباً كمحاورات أفلاطون كان يهبط إلينا من أفق الزمان الأول لولا درهم الأديب وغرامه بالكتب؟

ومن الناس الصانع بفطرته مبدع الماسج وباني السفن - فهذا أساس من أسس الصناعة أن