للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كبده، أن يدخن حتى يمتلئ هواء الحجرة بالدخان، وأن يحسو من جعة السويد، بين ذوائب غليونه، وأن يلعب (الطاولة) مراهناً بقطعة من المطاط لا تساوي ثلاثة فلوس، وأن يقتل الخنازير البرية، وأن يصيد من الحجل بالألوف.

وولى عهده فردريك راغب عن أمور أبيه وملاهيه، لا يميل إلى استعراض الجند، ولا يحب رائحة التبغ ولا (لعب الطاولة) ولا يرغب في القنص، فجنح إلى المزمار فأفتن فيه، وكان أول ما أخذ ذلك عن فئة من لفرنسيين الطريدين حببوا إليه الأدب الفرنسي وحببوه في مجتمعه وأيقظوا ما هدأ من عواطفه.

وكان فردريك غليوم يعد كل ذلك مخنثاً مزرياً، وكلما ازداد على ابنه نكيراً وتضييقاً، ازداد هذا ميلاً إليها ورغباً فيها.

وحان الوقت الذي فيه يتطور عقل الشباب وتثور في القلب الثورات، فاشتد ما بين الابن والوالد من العلائق جفوة وفتوراً.

وارتكب فردريك بعض هفوات من هفوات الصبا ونزقه مما يحسن بالأب العاقل الأريب أن يغض عنها بصره، ولا يأخذ بها ولده.

ولقد اتهموه بعد حين، إن صدقا وإن كذباً، بارتكاب شرور يحمي التاريخ عنا ناظريه، بل ليخجل النقد أن يذكر اسمها، شرور تتحاماها الطبيعة الحيوانية في الإنسان وهي التي تجر إلى عظائم الذنوب وتقود بابن آدم إلى كل جرم.

على أن هفوات صباه لم تكن نهاية في المنكر، ولا اختلفت عن الذنوب الأخرى الشائنة، ولكنها اهتاجت غضب الملك وزادت سخطه وكان يكره الهفوات إلا ما كان منها حظه ونصيبه، ويحسب أنه طالما تضرع إلى الله يحمده إذ كرهه في العواطف الرقيقة وحببه في الجفوة والقسوة ولم يكن فردريك ممن يأخذ المسائل الدينية قضية مسلمة، لا بحث فيها ولا جدال، فجعل يلقي الأسئلة المعضلة في الدين، وطفق يأتي بحجج تشتم منها رائحة المروق عن مذهب لوثر وشيعته، وظن الملك أن ابنه سيصبح ملحداً، زنديقاً كان أم (كالفينيا) فرأى أن القسوة على ابنه أمست واجبة لأنه مسيحي يغار على مسيحيته، فعمد إلى مزماره فحطمه، وإلى الكتب الفرنسية فأمر بإخراجها من قصره، وانحنى على الأمير رفساً وضرباً وتقريعاً وتأنيباً.