للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهل في ذلك من ضير؟؟ وإذا كان مبدأ المساواة لا يمنع إنساناً حق التمتع بثمرة تفوقه في المعارف أو المواهب العقلية على سواه فأي ضير فيه؟؟

إن كان الدكتور يصم هذا العصر بأنه عصر الجماعات وأنه يبيح للفرد الجاهل من الحقوق السياسية ما يبيحه للفرد المتعلم. وأن صوت الدكتور الفيلسوف كصوت الزارع الغبي في إنابة النواب وانتخاب الحكام فهذا أمر لا محيص عنه ولا سبيل إلى إبداله بما هو أصوب منه. على أن التساوي في أصوات الانتخاب ليس إلا تساوياً صورياً. والحقيقة أن لكل إنسان من الأصوات بقدر ماله من العقل والقدرة على إقناع سواه باختيار من هو أفشل من غيره للنيابة، وذلك ما يجعل أكبر الناس عقلاً أكبرهم قسطاً في سياسة بلاده، فإن بعض الموسرين يستعين بالمال على شراء الأصوات ويستخدم تلك الأصوات المتعددة في غرض واحد. فذلك ما يشكو منه الاشتراكيون الذين ينقم عليهم الدكتور لوبون.

وهب أننا اليوم أبطلنا مذهب المساواة. فمن يا ترى يحكم بين الناس ويقدر لكل منهم ما هو أهل له من الحقوق السياسية والأدبية؟؟ أترانا نلجأ في ذلك إلى الحكومة؟؟ ذلك ما يأباه الدكتور لأنه يريد أن يقصر عمل الحكومة على الضروري الذي لا يسع الأفراد القيام به. فأولى به وهذه إرادته أن لا يدعها تتداخل بين الناس حتى في ترتيب أقدارهم وتمييز درجاتهم كأنما هم كلهم موظفون في دواوينها - فلم يبق إذن إلا أن تترك الناس يدع كل منهم ما يقدر على تحصيله بذراعه_وبمثل هذا النظام نأمن شر مبدأ المساواة ولا نكون قد تركنا أضغاث أحلامنا بالمساواة العامة تغشي بصائرنا لأننا إذا تركنا أضغاث أحلامنا بالمساواة العامة تغشي بصائرنا كنا أول ضحاياها فما المساواة إلا بين المنحطين وهي مطمح آمال صعاليك العقول يحلمون بها وهم بأحلامهم من التعساء الخ.

ذلك حديث صاحب الكتاب عن المساواة. أما الاشتراكية فهو كما يظهر من الشذرات التي نقلناها عنه شديد الطيرة منها. وهو يمثلها تمثيلاً مشوهاً. ويعمد إلى شر مذاهبها فيعرضه على القارئ في حالة مشنوعة ثم يعمم حكمه على مذاهب الاشتراكية بحذافيرها. فتارة يحكم بأنها ستؤدي بالأمم إلى أرذل الانحطاط حيث يقول: نعم لا حاجة لأن يكون الإنسان ضليعاً من علم النفس ولا من علم الاقتصاد لينبئ بأن العمل بمقتضى مبادئ الاشتراكية يفضي بالأمم إلى أرذل درك الانحطاط وأخزى صور الاستبداد.