للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علموا الأمة علموا الأمة]

سادتي

رجعت إلى المعاجم التمس منها كلمات تسمو معانيها إلى سماء فضلكم أو صيغة حمد تفي بقليل من واجب شكركم، فما راقني لفظ ولا شاقني معنى ورغبت عن التنقيب والاستفادة، إلى الإقرار والشهادة.

أنا عاجز، نعم عاجز عن إيفائكم حق الثناء لقاء صنيعكم لكني لن أعجز عن الاحتفاظ بعهدكم، والبقاء على الدوام متأثراً بجميلكم.

شرفتم هذا المكان لتكريم خادم ظننتم به خيراً وما خيره إلا منكم وأردتم أن تولوا له فضلاً والفضل أنتم مواليه، ولا أرى في اجتماعكم هذا إلا حركة نفيسة من حركات الأمة تقطع دور السكون وتعن يقظتها وشخوصها نحو الرقي بعد أن اختمرت الأفكار وتمكن اليقين بأن لا حياة إلا بالحضارة ولا حضارة إلا بالعلم، وما أنا إلا ذريعة اتخذتموها للقيام بهذه الحركة المباركة.

هذا مظهر خلق جديد كمن حتى اكتمل وسكن حتى نما وتم، خلق لا تقوم أمة بدونه، وهو عماد كل رق وهو محبة الكل خير الكل في كل فرد من الأفراد، وظهور هذا الخلق دليل على ما للأمة من الصفات الكريمة الأولية، ومن الأخلاق الفطرية الاجتماعية، مما إذا عولج صفا وأعلى مكانتها ووصل بها إلى الدرجة التي يستحقها في هذا الوجود.

من يخبر حال هذه الأمة ويقف على كنه خلقها ويعرف جيداً حقيقة خصالها، ويدرك الصحيح من آمالها، وينعم النظر في أعمالها، ويقتنع بأن التربة زكية لا يفسد زرعها إلا شيء من البذور الرديئة، وبأن الخلق كريم يغشاه ستار من عدم العلم التام بالواقع، وبأن الآمال كبيرة شريفة لكنها مشوبة بشكوك وأوهام تطوح بنا يوماً ذات اليمين ويوماً ذات الشمال، أما أعمالنا فثمرة هذا وذاك، نهتاج والسكون واجب، ونلهو وكل النجح في العمل وما كان شيء من كل هذا يكون لولا خطأ في تقدير حقيقة حالنا، وعدم التفات إلى حركة البيئة التي نحن فيها، ونسيان لشيء كثير من الماضي ولهو عن الحاضر وعدم اهتمام بما هو آت، ومحال أن تدوم هذه الحال فلا بد لنا من إعداد العدة اللازمة لذلك التحول وما هي إلا العلم.

العلم هو سلم الأمم إلى حضارتها، فهو كاشف ظلمات الجهل، ومسدد الآراء، ومنجح كل