للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شاع فيه الحديد وفشا حتى لكأنه دخل في الأجساد فاغتصب مكان الأفئدة بعد أن طردها من أبدانها فلا قلب إلاَّ من حديد. ولا كف إلاَّ من حديد. بئست القلوب والأكف. وكأنما الناس آلات من الحديد وقد كف الله لأمر ما عن أن يخلق البشر وأحال ذلك العمل على فابريقات برمنجهام ومانشستر. ألسنا في عصر الذهب، ذلك الأصفر الخداع الذي تفض صفرة الهم والذل على متداوليه وطلابه - ذلك المفتر عن شبيه ابتسامة المعشوقة المومس تقود من تشاء إلى حيث تشاء من مهالك الخسران والندامة. ألست في عصر الاقتصاديين والأنانيين الناهين عن البذل والمعروف، الآمرين بالشح واللؤم. بلغوا غاية الرذيلة بمذهبهم استبقاء الأجود وإعدام الأردأ واشتغال المرء عن جميع المخلوقات بذاته. أما زال في هذا العصر. أم قد عدت إلى عصر النجدة والبطولة وأيام صلاح الدين وريكاردوس وعهد دون كشوت وسانكوبانزا؟

بلى لا أزال في عصر لتمدين الوحشي ولكن الأرض لا تخلو البتة من روح صلاح الدين وايفانهو.

لقد لأتى على انطانيوس قيصر وقتان ضدان بلغ في احدهما منتهى الذم والنعمة، وفي ثانيهما غاية الحمد والمحنة، أما الأول فذلك حين كان يتقلب في أحضان ملكة الجمال - كليوبترا_وأما الثاني فذلك حيث كان يأكل الحنظل والمرار في بعض غزواته. والمحنة مع المجد أحلى ولا شك في نفس العظيم من النعمة مع الضؤولة. والعظيم لا يطيق الضؤولة إلا ريثما يتحول عنها.

أيها الناس أرأيتم غير السيد البرقوقي رجلاً انفسحت له نعمة، وصفا له مورد العيش. فما راقه هذا إلا أن يشمر للمجد وينجرد في سبيل العلاء فأنش المجلة وأنفق عليها المال الجم. وليس بأقل من ذلك. ما أنفقه على مطبوعات البيان وكثير هي. ولعمر الله لو أن شركة قامت بكل هذه الأعمال لخارت قواها وكلت عزائمها مع ما هنالك من المثبطات والعوائق ولكن الفرد العظيم كالملك العظيم. هذا خير من الشركة وذاك خير من الجمهورية.

والشيخ أيده الله قد أظهر أكبر الفضل في براعة أسلوبه وجودة إنشائه ولطف تخيله ودقة تصويره بما لا يترك أدنى مجال للشك في أنه كاتب جليل ومفكر قدير. ثم في اصطفائه للمجلة صفوة كتاب العصر ومصاصة ادبائه ثم تخير الموضوعات التي لا ترى بينها إلا