للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في طبقات التشريح ثم ماذا يصنعون بضروب سائر الحيوانات وبالنبات وغير النبات مما لا يأتي عليه الإحصاء من متعلقات العلوم وفروعها وهل تجزئ في ذلك كله ألفاظ لسان العرب وكتب الحيوان والنبات العربية وما إليها مما أطلقت ألفاظه واضطربت أوضاعه واختلفت معانيه واستفاضت حدوده حتى ليصبح أن تعم اللفظة الواحدة بكثرة ما تطلق عليه في هذه اللغة شطراً من معاني العلم التي هي فيه؟

ألا وأن أعجب ما في أمرنا من المعروف والمنكر أن تختلف الأمم في معاني الألفاظ واختراعها وتحديدها ووجوه الانتفاع بها ولا نختلف نحن إلا على ألفاظ هذه المعاني وأنها عربية أو معربة وهل نتقبلها أو نردها ونثبتها أو ننفيها ونقرها أو ننكره وننسخها أو نمسخها. . . وقد فاتنا أالعرب أنفسهم لم يكونوا يعرفون شيئاً يسمى لغة إنما كان همهم استيعاب أجزاء البيان في كل ما ينطقون به على أصول الفطرة اللغوية التي يُنشّؤن عليها وقد ضبطت هذه الأصول فيما انتهى إلينا من قواعد اللغة وما نقل من ألفاظها فصار لنا حكمهم إذا نحن تدبرناها ونفذنا في أسرارها وأحسنا القيام عليها. وليس عندنا في وجوه الخطأ اللغوي أكبر ولا أعظم من أن يظن امرؤ أن اللغة بالمفردات لا بالأوضاع والتراكيب فإن اللغات المرتقية هي تلك التي تمتاز بوجوه تركيبها ونسق هذه الوجوه ولا يمكن البتة أن تكون لغة من اللغات ذات وفر وثروة من الألفاظ إلا أن تدعو إلى ذلك وجوه أوضاعها وتراكيبها. ولا تجد عندنا من الإنكار على من يقول بإباحة التصرف في تراكيب العربية والتكذيب له والاستعظام لما جاء به إلا كما عندنا من الرد لقول من يمنع التصرف في مفرداتها - بالتعريب وغير التعريب_ما دامت الحاجة إلى ذلك ماسة وما دام ذلك لا يخرج اللفظ الموضوع عن الشبه العربي الذي يجريه في اللغة ويجعله إليها ويلحقه بمادتها ثم ما دمنا نعمل هذا العمل فنقضيه صريحاً محكماً ونستن فيه سنة العرب في طريقة الوضع اللغوي وحكمة هذه الطريقة ووجه هذه الحكمة.

فأنت ترى أنه لا ينقصنا من اللغة شيء وهي على ما هي من أحكام الأوضاع والتراكيب والاتساع للمفردات ولو أقبلت كأعناق السيل. ولكن ينقص هذه اللغة رجال يعملون ويحسنون إذا عملوا ويعرفون كيف يتأتى عملهم إلى الإحسان وكيف يكون عملهم عملاً. ولقد كان من سوء الصنع لهذه العربية أن قامت لإحيائها (مجتمعات) كلها كان يكدح في هذا