للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العمل الجديد على قاعدة قديمة فلا يعدون في طريقة العمل وجهة القصد منه أن يبدلوا لفظاً وحرفاً بحرف وينبهوا إلى الخطأ في بعض الاستعمال وصواب في بعض الإهمال مما يستخرجونه أو يقفون عليه أو يتفق لهم اتفاقاً. وهذا عمل تكون الجماعة فيه مهما اعتزمت واشتدت كأنها فرد واحد ويقوم الفرد المضطلع بالجماعة بل قد يفي ويمسح وجهها (بتقدمها) ويكون منها مكان الإمام ممن خلفه وإن كانوا صفوفاً متراصّة متقابلة، وهو أمر كان قديماً فإن العلماء والكتاب كانوا يتلقون الرواة والحفاظ بالمسئلة عن صواب الكلمة وعن وجه استعمال الحرف من اللغة وكان المأمون العباسي قد أرصد من هؤلاء طائفة في دار الحكمة ليرجع إليهم المعربون ثم ليتصفحوا عليهم فيصلحوا خطأ أو يقيموا وزناً أو يغيروا كلمة وكذلك فعل بعض الأمراء المتأخرين في دواوين الإنشاء حين ضعف الأدباء عن اللغة والتوت الألسنة وغلبت العامية وقد تولى ذلك للفاطميين طاهر بن بابشاذ في القرن الخامس وابن بري في القرن السادس وتولاه غيرهما من بعد إلى هذه الغاية في عصور ودول مختلفة على أن كل ذلك قد مضى مع أهله وبقيت اللغة تضرب في حدودها مقبلة مدبرة لم يزد فيها ما زادوا ولم ينقص منها ما نقصوا.

ولسنا نرتاب على حال أنه لو قام في صباح كل يوم مجمع لغوي على هذه الطريقة لانتقض في مساء كل يوم مجمع منها لأن القوم يدعون الجهات الملتبسة إلى الصريحة ويتخطون الأصول إلى الفروع ويعملون في سدخلة محتملة ويتكلفون لضرورة في الوسع واللغة وافية بكل ما يأتون به لا يصدّ عنها إلا الجهل والإهمال وإلا سوء طلب الطالب وتحصيل المحصل وهذا أصلحك الله أهون الخطب. وأخف الضرر، وأيسر ما التاث علينا من أمر هذه العربية. فإن المحنة فيها باقية أبداً ما بقي في الأرض معنى ليس له فيها لفظ، وما دمنا لا نُطرّق فيها لهذه الألفاظ المحدثة بقواعد ثابتة، وعلى طرق نهجة، وما دامت في أيدينا جامدة لا نغمز منها، ولا نعيدها سيرتها الأولى في الوضع والاشتقاق بما لا يفسدها ولا يضارّ أصولها ولا يأتي بنيانها من القواعد.

وإن ذلك لأمر أول التبعة فيه على متقدمي العلماء، ممن دونوا الأمهات في اللغة، وممن كتبوا في العلوم أو عرّبوا من كتبها. لأنهم عفى الله عنهم لم ينظروا لمن بعدهم. فلم يضعوا في ذلك ديواناً جامعاً، ولا أمضوا فيه بإجماع معروف ينتهي إليه علم. أو يقف عليه طريق