للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صنع شرع تلك الشرعة الخالدة، أن أكبر لذاذات الحيوان في نسلها، وأمتع نعيمها في ولدها، وأحفل هناءها في ذراريها.

إن الذكر من النخل يؤخذ منه غبار شماريخه الكثيرة التوليد فتلقح به أنثاه، فيهتز من حب، ويتمايل من طرب، في رياح الهاجرة وأهوية الظهيرة، والوعل يصوت للسفاد ويُهتاج فيبقر بطن الأنثى إذا تمنعت عن سفاده، والورقاء تنتفض تحت جناحي صاحبها، كما يرجف العاشق الصب وتنتفض العاشقة الوالهة والرجل يأخذ زوجه بين ذراعه فيمشي بها في بهرة الطبيعة القادرة فيحس بذلك السنا المتألق المقدس الذي بعثته صبابته، يثب في نواحي قلبه ويطفر في حنايا ضلوعه.

رويداً أيها الصديق، إذا ضممت ذراعيك العاريتين غادة حسناء المتجرَّد عذبة الميسم، ورأيت لذتك تهجم عليك بالدموع وشهوتك تستبكي عينيك وألفيت شفتيك تدميان بأقسام الحب الأبدي وعهود الهوى الخالد ووجدت اللانهاية قد هبطت من مكانها العلي إلى فؤادك فلا تخف أن تسلم نفسك وتخلص بروحك، ولكن حذار أن تخلط بين الخمرة والنشوة أو تمزج الصهباء بالثمل أو تعتقد أن الكأس التي تحسو منها مطهرة كجمامها، ولا تعجب لها أن تراها في المساء فارغة محطمة، بحسبك أنها امرأة، إنها آنية سريعة التحطيم، صنعها من تراب الأرض خزاف.

واحمد الله الذي أراك السموات، ولا تظنك عصفوراً لأنك تنتفض وترتجف، فأن الأطيار نفسها لا تستطيع أن تجوز السحب أو تعبر الغمائم لأن في السموات العُلى أفقاً يعز فيه الهواء، وأن القنبرة تصعد في الأجواء صادحة شادية في غيم الصبح وضباب السحر فتسقط على الأرض ميتة، خذ من الحب قدر ما يأخذ من الخمرة الرجل المعتدل، ولا تعدُ في الدنيا سكيراً، ولا تغدُ في الحب مدمناً، فإن كانت خليلتك صادقة العهد مطمئنة الهوى فأحبها لصدق عهدها واطمئنان هواها. فإن لم تكن كذلك وراحت لعوباً واغتدت حسناء تياهة، فأحبها للعبها وتيهها، وإن كانت رشيقة المتقبل وخفيفة الروح فأحبها لخفتها ورشاقتها فإن لم تكن لا هذا ولا ذاك وكانت تحبك فأحبها لحبها، ولا تغضب ولا تسخط ولا تقل أنا قاتل نفسي لأن لي مزاحماً ينفس عليّ حبي ويستخلص مني خليلتي، وتقول أنها تخادعني نازعة إلى هوى غيري، وتعذبك عزتك ويجرحك إباؤك ولكن ما بالك لا تقول أنه