للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أوجد الله الإنسانية ولا تزال كذلك حتى تنقطع دقات قلبها ويصبح الإنسان صدفة على شاطئه.

الكذب

للحكيم جونسون

من غريب أمر هذه الرذيلة أنها من الخسة والمقت بحيث يترفع عنها الأشرار والفجار من كل صنف وطائفة فقلما تجد في السوءات والمعايب التي تصم الإنسانية إلا ما وجد فيه صاحبه اتباعاً له وأعواناً فهاتك أعراض العذارى قد يجد الحساد من الرجال والنصائر من النساء والسكير يحيط به نفر من المعربدين يعجبون به ويحتفلون بسبقه المبين للذين لم يبلغوا شأوه في مضمار الشراب ويفتخرون بأنهم خدام دولته. وعشاق بأسه ونجدته ويحدثون عن ضعفاء المناظرين الذين ساقهم غرور المساجلة والطمع - في اللحاق إلى قبورهم. بل إن اللص وقاطع الطريق لا يخلوان من الشيعة والأنصار يستحسنون جرأتهما وإقدامهما وما يدبران من أبواب الفكر والشر ويفتقان من حيل السلب والنهب

فأما الكذوب فذلك الذي وقف بملتقى سبل الذم والهجاء واجتمعت عليه الخلائق طرا بالبغض والازدراء. وتحاماه الأقرباء. وتناذره البعداء. فليس له من نصرة الحميم والولي. ما يقوم لخذلان الغريب والأجنبي ولا من حمد الخدن والنظير ما يوازن إزراء الشعب والجمهور. وماله من عصبة يأوى إليها ويرجع ولا شيعة يعتز بها ويمتنع.

ولا نفر يرون شره خيراً. وخزفه دراً. وتربه تبراً وعقوقه براً. وإنما يسلم إلي عداوة العالم أجمع. وينصب غرضاً لكل نابل. وصيدا لكل حابل وضريبة لكل سائف ورامح. ومشما لكل غاد ورائح وقد قال أحد الحكماء أن الشياطين لا يكذب بعضها بعضاً. والصدق لازم لكل فئة ولو كانت من سكان جهنم وقد كان المظنون في مثل هذه النقيصة أن يكون انصراف الناس عنها بقدر بغضهم لها أو على الأقل أن لا يكون يبعث عليها إلا باعث قوى وإن رذيلة لها من سهولة الانكشاف والجلاء وشدة العقوبة والجزاء مثلما للكذب لا يكون الحاصل عليها إلا بعيد الوقوع نادراً

ومع هذا فالأمر على خلاف ذلك حتى أصبح من يخالط الناس لا يقيه أشد الاحتراس والحذر أن ينخدع في كل حين لأكاذيب أناس ما كان يتوهم قط أن يكون منهم أدنى ميل