للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العجيب، وزادوا بحسن السبك خالص الذهب، وإن كان المشرق قد أنتج من طبقة أهل الأندلس من لا يُحجم به المُفاخر، ولا تحجب به المفاخر. ولكن للأندلسيين لطائف أعلق بالقلوب، وأدخل على النفوس في كل أسلوب. وستسمعون مصداق ذلك مما سأسرده عليكم من نقثات تلك الآيات البينات، التي تدلكم على أن كلام الأندلسيين ذهب بين رقة الهواء وجزالة الصخرة الصماء.

فكان كما قال شاعرهم الأندلسي عبد الجليل بن وهبون المرسي:

رقيق كما غنّت حمامة ايكة ... وجزل كما شق الهواء عقاب

أولية ابن زيدون

كان في جملة القبائل التي ذهبت إلى الأندلس رهط من بني مخزوم توطنوا في جهات قرطبة وما إليها. وناهيك بهذه القبيلة ذات الشرف الصميم، واللسان القويم. فكان بنو زيدون من رجالاتهم المعدودين، خصوصاً في الفقه والأدب. واشتهر منهم ثلاثة حفظ لنا التاريخ أسماءهم وهم:

أولهم_أبو بكر غالب بن زيدون.

ثانيهم_أبو الوليد أحمد بن زيدون (وهو قطب الدائرة في هذه المحاضرة).

ثالثهم_أبو بكر بن زيدون.

كان مولد الأول سنة ٣٠٤ ومات سنة ٤٠٥ بعد أن بلغ من العمر مائة سنة. توفي في ضيعة له، ثم نقلوا تابوته إلى قرطبة، فدفن بالربض (أي الضاحية). وهنالك رثاه أبو بكر عبادة الشاعر الأندلس بما يعرفنا بمقامه في قومه:

أي ركن من الرياسة هيضا ... وجموم من المكارم غيضا

حملوه من بلدة نحو أخرى ... كي يوافوا به ثراه الأريضا

مثل حمل السحاب ماء طبيبا ... لتداوي به مكاناً مريضا

وأما ثانيهم فهو واسطة العقد، والذي سيدور عليه كلامنا فيما بعد.

والثالث هو الذي تقلد بعد أبيه (أبي الوليد) وزارة المعتمد بن عباد. وقد انتقم لأبيه من ذي الوزارتين ابن عمار على ما سنراه في آخر الكلام. وكان أبو بكر هذا هو الذي تولى السفارة عن أبن عباد إلى يوسف بن تاشفين صاحب المغرب الأقصى حينما تنمر