للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأهجر محرابي، لرؤيتي مشهداً عجيباً في عالم كله عجائب، ولغزاً مبهماً في كون كله ألغاز غير مفهومة.

وكذلك أرى أنه يمكن التوفيق بين الكتاب المقدس وبين نظرية داروين في أصل الإنسان بحجة أنك ترى الرجل الدميم يلد المليح والأبن الصالح يولد للطالح، وهذا دليل على أن الرقى العظيم قد يحدث في فصائل النوع البشري إذا ساعد أمتداد الأمد. وسنوح الفرص، ولقد قرأت في بعض الأسفار أن الكلاب ينتهي نسبها إلى الذئاب. وأني كلما تذكرت كلبي الرفيق الرقيق ذلك الذي يخلص لربه الحب، ويمحضه المودة، ويكون في الدعة أمينه. وفي الشدة معينه.

وهو إذا ما ناجاه صاحبه ... يفهم عنه ما تفهم الأنس

وجدت أن مابينه وبين أسلافه الذئاب أبعد بكثير مما بين الهمج المتوحشين لسكان نمنم وبين أسلافهم القردة.

قد ترى من غصون كلماتي هذه أني ممن يطلقون للعقل حرية النظر في أمثال هذه المسائل. ونحن معشر النساء نستطيع أن نجري مع تيار الزمن نصغي صامتات إلى ما يدور حولنا من المناقشات في المحاورات والكتب ونغير أسلوب حديثنا وتفكيرنا بأسهل مما نغير أزياءنا من عام إلى عام. وما أحسب أنكم عصبة الرجال تعلمون ما لتلك العادة - أعني عادة التوفيق ما بين أذواقنا وبين الاوضاع المتجددة والسنن المتبدلة_من الأثر في نفوسنا. فإنه والله لا يثبت على تلك العادة شيء في نفوسنا، ولا يستقر معها رأي في عقولنا. والتقلب كما تعلمون هو قاعدة الذوق. وظني أننا نتعلم من خاطة ثيابنا كيف نخلع عن عقولنا أرديتها القُدم فنطرح عليها الأكسية الجدُد في أتم سهولة، وما ذاك إلا لاعتيادنا تغيير الأزياء كل فصل وموسم.

(وبعد) فقد أطلت جداً في مقدمتي هذه وأخشى أن يكون قد انتابك الملل قبل بلوغك جوهر القول وزبدته.

تعلمّ سيدي أن الدين في نظرنا معشر النساء ليس هو بعض هذه المسائل التي يجعلها عشاق الكلام موضوعات للذة الجدل وسرور المحاجة. وإنما هو أمر غير ذلك. هو حياتنا بل هو أكثر من حياتنا. إذ أن حياتنا إنما تقاس بدقات قلوبنا، ولكن شعورنا الديني شيء