للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكيم الشيخ محمد عبده الصوفي النشأة يقول ما معناه: لقد ضاع الإسلام بضياع التصوف الصحيح وقال مرة في التربية الصوفية لصاحب المنار: إذا يئست من أصلاح الأزهر فإنني أنتقي عشرة من طلبته وأجعل لهم مكانا عندي في عين شمس أربيهم تربية صوفية مع إكمال تعليمهم وكان أقترح مثل هذا على أستاذه الأفغاني الحكيم.

هذا ومن النقص في ثقافتنا القومية أن لا ندرس تراث أسلافنا درساً علمياً فتؤلف كتب تاريخ الأدب في لغتنا مثلا وليس فيها بحث عن تأثير التصوف في آدابنا وعلمائنا وأدبائنا في العصور السالفة تأثيراً كبيراً، والصوفية شعراء مسمويون هاموا بالمثل الأعلى في قصائدهم، واهتم كثير منهم بالصناعة البديعية كما فعل ابن الفارض أما شعراء الصوفية، فالأدب الصوفي خليق بدرس أدبائنا والبحث عنه في كتب تاريخ الأدب العربي، أوليس عجيباً أن يهتم بأدبنا الصوفي مثل المستشرق الإنكليزي براون في كتابه الأدب العربي، ونيكلسون في تاريخ العب الأدبي وهوار الفرنسي في كتابه الأدب العبي وغيرهم، ونحن لا ننتبه إلى ما تركه التصوف في آدابنا العربية من ذلك الأثر العميق!

إن هؤلاء المستشرقين قد عنا بالتصوف كل العناية فنشطوا للتنقيب عن أمهاته المخطوطة في مكاتب المشرق والمغرب وبعد تصحيحها وتنقيحها أحيوها بالنشر ثم عكفوا على درسها التحليلي عكوف الصوفي على مراقبة نفسه، ومنهم من قضى أكثر مراحل حياته وهو يبحث عن التصوف وأصله، أو يرحل لأخذه من أفواه أهله مثل ماسينيون الفرنسي وفون كريمر الألماني ونيكلسون الانكليزي وأضرابهم ممن تراهم، ولا شغل لهم إلا البحث عن أصوله العربية السامية وفروعه وزياداته الآرية من الفلسفة الأفلاطونية الجديدة والعقائد الفارسية والهندية وغيرها ويتتبعون آثار النحل الباطنية والمذاهب الكلامية في التصوف الذي أخذ منذ القرن الثالث يختلف عن التصوف السلفي اختلافاً بيناً بتباعده عن عصر السلف، ثم كثرت فيه المصطلحات حتى أمست وليس لكثير من أسمائها مسميات.

اشتقاق التصوف. - التصوف مصدر تصوف أي لبس الصوف كما يقال تقمص لبس القميص وتدرع لبس الدرع مثلاً، والصوفي منسوب إلى الصوف للبسه إياه، ولعله أقوى الأقوال في نسبة الصوفي وإليه ذهب كثير من الصوفية وإن لم يختصوا بلبسه، وأخذ به ابن خلدون في مقدمته وعليه أعتمد معظم المستشرقين، وقد نسب إلى صوفة نسبة صرفية

<<  <  ج: ص:  >  >>