للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البحر]

للدكتور نقولا فياض

البحر ليس ملكاً لأحد

يحيط بالأرض ويشد عليها شدا ويحبسها بين أمواجه جزراً ومدا، فآناً تلك الأمواج مداعبة الحبيب وآنات تهجم عليها هجوم العدو، فمن قبلات صافية إلى ضربات طاغية تهدم السدود وتكتسح الحدود فتعود المياه في لحظة إلى امتلاك ما أقامت الأرض دهراً في بنائه.

البحر ليس ملكاً لأحد

يقف عند الشاطئ ويرسل عمله إلى بعيد فهو كالسلطان المطاع سخر له الجو ليعمل بأمره، فإذا ما هاجت الزوبعة وجعدت الرياح ذلك الجبين الأزرق فأخرجت من الأمواج تياراً هائلاً لا يقف سد في وجهه يظن المرء للوهلة الأولى أن البحر عبد الظواهر الجوية تصرفه كما تشاء.

ولكن البحر ليس ملكاً لأحد.

هو الذي يتحرك ويزأر، ويتحول إلى بخار لطيف يخترق أحشاء الجو خازناً فيه جزءاً من الحرارة أو يجتمع غيوماً فتسد على الحرارة منافذ الخروج، وحينئذ يجود بالمطر والثلج والزوابع والصحو بلا وزن ولا حساب.

ثم تعود المياه من سفرها الطويل بعد أن تأتي أعمالاً كبيرة: من قمم الجبال التي كالمتها بالثلوج تهبط الأودية سيولاً جارفة في طريقها كل ما تجد، حافرة في الصخور أخاديد، إلى أن تلتقي بالمطر المتساقط على الأرض أو النافذ في بطونها فتخرج ينابيع بعد أن تحل من أحجارها ما تحل وتحمل من أملاحها ما تحمل، تاركة فيها صوراً وأشكالا، ثم ترجع مع النهر إلى البحر.

لأن البحر ليس ملكاً لأحد.

فالغيوم والأمطار هي رسل الأوقيانوس العظيم تأخذ من الأرض ما وهبها من قبل وقد تقف في منتصف الطريق فتبتلع منها الأرض ما تبتلع وعلى نسبة هذا ينقض ماء المحيط.

الأرض بقايا ضخمة قائمة بجوار البحر وهو وحده الكفيل بتوزيع حرارة الشمس عليها بل هو مصلح هذا التوزيع لأن الحرارة على سطح الأرض موزعة بلا عدل فيحملها ويمزجها

<<  <  ج: ص:  >  >>