للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى.

قال: فأجابني ابن ثوابة برقعة نسختها:

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلت رقعتك أعزك الله وفهمت فحواها وتدبرت متضمنها، والخبر كما اتصل بك والأمر كما بلغك، وقد لخصته وبينته حتى كأنك معنا وشاهدنا، وأول ما أقول:

الحمد لله مولى النعم، والمتوحد بالقسم، يرد علم الساعة وإليه المصير وأنا أسأله أيذاع الشكر على ذلك، وعلى ما منحنا من ودك، وإتمامه بيننا بمنه. ومما أحببت أعلامك وتعريفك بما تأدى إليك، أن أبا عبيدة لعنه الله تعالى بنحسه ودسه وحدسه، اغتالني ليكلم ديني من حيث لا أعلم، وينقلني - عما اعتقده وأراه وأضمره من الإيمان بالله عز وجل، وبرسوله (صلى الله عليه وسلم) موطداً - إلى الزندقة بسوء نيته إلى الهندسة، وأنه يأتيني برجل يفيدني علماً شريفاًََ تكمل به فضائلي، فيما يزعم. فقلت: عسى أفيد براعة في صناعة، أو كمالاً في مروءة، أو فخاراً عند الأكفاء، فأجبته أن هلم؟ فأتاني بشيخ ديراني شاخص النظر، منتشر عصب البصر طويل مشذب محزوم الوسط، متزمل في مسكه، فاستعذت بالرحمن إذ نزغني الشيطان ومجلسي غاص بالإشراف من كل الأطراف، وكلهم يرمقه ويتشوف إلى رفعتي ومجلسي غاص بالإشراف من كل الأطراف، وكلهم يرمقه ويتشوف إلى رفعتي مجلسه وإدنائه وتقريبه، ويعظمونه ويحبونه، والله محيط بالكافرين. فأخذ مجلسه ولوى أشداقه، وفتح أو ساقه، فتبنيت في مشاهدته النفاق، وفي ألفاظه الشقاق.

فقلت: بلغني أنَّ عندك معرفة من الهندسة، وعلماً واصلاً إلى فضل يفيد الناظر منه حكمة وتقدماً في كل صناعة، فهلم أبدنا شيئاً منها أن يكون عوناً لنا على دين أو دنيا، في مروءة ومفاخرة لدى الأكفاء، أو مفيداً زهداً ونسكاً، فذلك هو الفوز العظيم، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فازوما ذلك على الله بعزيز.

قال: فأحضرني دواةً وقرطاساً، فأحضرتهما إليه، فأخذ القلم ونكت نكتة، نقط منها نقطة تخيلها بصري وتوهمها طرفي كأصغر من حبة الذرة، فزمزم عليها من وساوسه، وتلا عليها من حكم أسفار أباطيله، ثم أعلن عليها جاهراً بفكه وأقبل علي وقال: أيها الرجل، إن هذه النقطة شيء لا جزء له. فقلت: أضللتني ورب الكعبة، وما الشيء الذي لا جزء له؟

<<  <  ج: ص:  >  >>