للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد أراد أن يبث مبدأ التسامح الواسع بين الأمم والطوائف الكبيرة مشيراً إلى الينبوع المشترك للإلهام والتفكير، ولسبينوزا تفسير لمبادئ الحرية على أعظم من جانب من الدقة ونفاذ البصيرة، فقد قال وعندما تغدو الأعمال أساساً ترتكز إليه المحاكمات الجنائية، ويسمح للآراء والكلمات أن تصبح طليقة حرة يتجرد الشر الحقيقي من كل صور التزكية والتبرير الظاهرة ويتفصل عن المناقشات المجردة البريئة بحاجز صفيق.

إن الباحث الذي يدرس آراء سبينوزا السياسية في نور الفكرة الديمقراطية الحديثة يراها لأول وهلة شبيهة بآراء نتشه في إرادة القوة كما أن معاصريه كانوا ينعتونها با لمكبافيلية غير أن دفاعه عن المبدأ الذي يستند إليه الحق - في نظره - خلو من كل أثر للميول الاستبدادية الارستقراطية بالمعنى الشائع. وهو في كل أقواله يستمد المواد الأولية من التاريخ الطبيعية وفي ذلك يقول حاولت أن استخدم الوسائل الرياضية في استقصائي لأسباب هذا العلم الخفية، فبذلت جهدي بالابتعاد عن السخر من الأعمال الإنسانية والنواح عليها، أو الإشادة بذكرها أنظر إلى العواطف المختلفة كالحب والبغض والغضب والحسد والطموح والشفقة وجميع خوالج النفس في ضوء النقائص التي تتصف بها الطبيعة الإنسانية بل كخواص لا صفة بها لصوق الحرارة والبرودة والعاصفة والرعد وما شابهها بالطبيعة الجوية بواسطتها أن نفهم طبيعتها، وحينما ينظر إليها العقل نظرة مستقيمة مضبوطة يشعر بغبطة مماثلة للغبطة التي يشعر بها في فهمه للأشياء التي تتناولها الحواس المختلفة، ويقول في موضع آخر أن قانون الطبيعة الذي درجت البشرية في كتفه، ولا تزال تحت خطاها مستظلة بظلاله ليس سداً مانعاً تصطدم به الرغبات الإنسانية أو معاكساً للبغض ليست هي القوانين العقلية الإنسانية التي ترمي إلى المحافظة على كيان العنصر الإنساني وتتوخى فائدته ومنافعه الخاصة بل هي قوانين أخرى لا نهائية تؤلف النظام الخالد للطبيعة الشاملة، وليس الإنسان في هذه الطبيعة وتركيبها الدقيق سوى ذرة ضئيلة للغاية. وتقضي الضرورة التي يستلزمها هذا النظام أن يصبح وجود الأفراد وعملهم محدودين. ولذا فكل شيء نراه مضحكاً وسخيفاً أو شرير في الطبيعة إنما هو كذلك لأن معرفتنا للأشياء هي معرفة جزئية، ولأننا نجهل ارتباط أجزاء الطبيعة بعضها ببعض لكل شامل، ونود أن نرى الأشياء منظمة بموحيات عقولنا، مع أن ما يراه عقلنا شراً لا يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>