للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبيل إلى جعل الثقافة التي جاء بها تنفذ إلى قلب البيئة فلا تبقى سطحية ولا تحدث انقساماً في ثقافة الشرقيين، ولا خللا في نفوس الأفراد أو اضطراباً في الكيان السياسي والنظام الاجتماعي، كيف السبيل إلى منع هاتين الثقافتين من المنافسة الضارة التي قد تسوق أحداهما في المستقبل إلى القضاء على الأخرى، كيف السبيل إلى إيجاد الاتساق بين هاتين التربيتين الغريبتين اللتين يكاد يتعذر التوفيق بينهما؟

أننا نطمع في أن نكون مرشدين ونود أن نكون قادة العمل الفكري العظيم الذي يرمي إلى تجديد الثقافة في الشرق، إن الشروط التي تساعد على تجديد المدينة العربية الزاهرة متوفرة اليوم، فهناك نخبة من الطبقة المتوسطة مستقلة من الوجهة الاقتصادية قد شعرت بامتياز تقاليدها وخصائصها القومية، وهناك شعور بالماضي حي وقوي، وظهور للقوى القومية، وثروة من الأساطير والحكايات والأهازيج الشعبية بالنشاط والحياة، وهناك شعور قوي بالألفاظ وقوة دلالتها، وهناك لغة قديمة غنية مشخصة تركيبية لا تزال مسيطرة على اللغة التحليلية الحديثة التي أخذت تتوسع وتتكيف وفقاً لدلالات الفكر المجرد - إن الإبداع الفني والفكري الذي ازدهرت به عصور المجد العربي قد تولد من هذه العناصر المختلفة ومن الوحدة العميقة التي يربطها بعضها ببعض. فيمكننا إذن أن نشارك الشبيبة السورية المثقفة في آمالها وأن نتوقع انبثاق الآثار الفكرية القيمة وظهور الأعمال العظيمة في بلاد العرب.

إن في وسع الثقاف٦ة الفرنسية أن تكون عنصراً مغيراً لا يتغير في دور التحضير والتنشئة، لأنها تحمل معها مثال الحرية الفكرية الناضجة وصورة من المنهاج القويم الذي أبدعته آدابها القديمة.

ولكن الفرنسي ربما كان مبالغاً في الظن أن ثقافته ذات نطاق عالمي واسع وإن قيمتها لا تجاري، فلنلق إذن نظرة على الصعوبات التي يلاقيها المربي الفرنسي في تأدية رسالته والعمل بها.

إن تجدد الثقافة الذي نتوقعه يلاقي صعوبتين أساسيتين:

أولاً: إن الحاجة جعلت تجديد اللغة أمراً ضرورياً ولذلك فقد تعددت التجارب الناجحة في القاهرة كما في بغداد وفي بيروت كما في دمشق لتغذية اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>