للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعجازه.

وأنا أورد في هذا المقام ثلاثة أقوال لثلاثة أئمة في شأن القول المعجز، في إيرادها فائدة لمن يطلب الفائدة.

قال الإمام (الزمخشري) في (الكشاف): (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) كلام فصيح لما فيه من الغرابة، وهو أن القصاص قتل، وتفويت للحياة وقد جعل مكاناً وظرفاً للحياة.

ومن إصابة محز البلاغة تعريف القصاص وتنكير الحياة، لأن المعنى: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة، وذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة، وكان يقتل بالمقتول غير قاتله، فتثور الفتنة، ويقع بينهم التناحر فلما جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة أي حياة! أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل لأنه إذا هم بالقتل فعلم أنه يقتص منه فارتدع سلم صاحبه من القتل وسلم هو القود، فكان القصاص سبب حياة نفسين.

وقال الإمام الثعالبي في الإيجاز والإعجاز: من أراد أن يعرف جوامع الكلم، ويتنبه لفضل الاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء، ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن، وليتأمل علوه على سائر الكلام (فمن ذلك) قوله ولكم في القصاص حيوة ويحكى عن إزدشير الملك ما ترجمه بعضهم أنه قال (القتل أنفى للقتل) ففي كلام الله (تعالى) كل ما في إزدشير. وزيادة معان حسنة منها: إبانة العدل بذكر القصاص، والإفصاح عن الغرض المطلوب فيه من الحياة، والحث بالرغبة والرهبة على تنفيذ حكم الله، والجمع بين القصاص والحياة، والبعد من التكرير الذي يشق على النفس، فإن في قوله (القتل أنفى للقتل) تكريراً، غيره أبلغ منه.

وقال الإمام (عبد القاهر الجرجاني) في (دلائل الإعجاز): وينبغي أن تكون (موازنتهم) بين بعض الآي وبين ما قاله الناس في معناها كموازنتهم بين ولكم في القصاص حياة وبين (قتل البعض أحياء للجميع) - خطأ منهم (إلى أن قال): لولا أن الشيطان قد استحوذ على كثير من الناس في هذا الشأن وأنهم بترك النظر، وإهمال التدبر، وضعف النية، وقصر الهمة قد طرقوا له حتى جعل يلقي في نفوسهم كل محال، وكل باطل، وجعلوا هم يعطون الذي يلقيه حظاً من قبولهم، ويبوئونه مكاناً من قلوبهم - لما بلغ من قدر هذه الأقوال الفاسدة

<<  <  ج: ص:  >  >>