للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطلل والرماد، وما نحن العرب اليوم إلا لفتة نحو الماضي، هذا الحلم المجيد نستعيد ذكراه، لننهض به ونجعله الذكرى في الدهر كله، واللحن في سمع الوجود، بدأ عند أمتنا الوعي لأنها بدأت تذكر الماضي الحبيب، وتحن إليه، وتعيش صورته الجليلة من جديد، أو تحاول. الآن على وجودنا_عفواً أقول_نطلع على آثاره القليلة التي لا تزال، لسعد حظنا، ماثلة لم يقف كل رسمها. وكأننا جميعاً زهير بن أبي سلمى الحكيم يتفرس مجدنا الغابر بعد غياب وفراق، وبعد وبعاد، وهجر وإغفال، ندرك حلمنا الرائع، ونعرف ذكرى أمتنا الباقية، وكأننا جميعاً عنترة يبحث عن أسلحة لجيشه، ومعامل لطائراته، وطائرات لرمحنا، نحمله إلى صدر الأعداء، لنروع الغربان بعد أن راعنا الاستعمار ويرجع أحدنا الفارس العنيد وهو قد انقلب حمامة وديعة فقدت أليفها فانهارت أدمعها تترى. . .

البكّاؤون

وعى الشعراء مصاباً وذكروا حلمهم في صوره الباقي، فبكوا الفردوس، ووعى مفكرونا الصادقون مصاب تاريخنا فذكروا لنا حلماً جميلاً، وفقط بعضهم فكانوا البكائين من الدرجة الأولى، دأبهم عبادة الذكرى، والجمود أمامها، والتصلب حتى الموت، أو الذوبان حتى الفناء، يقدسون الأثافي، ولا يرجعون القدر فوقها، يتلمسون الظل ولا يقبلون الجسم، يلمسون الأحجار ولا يعيدون البناء، هم التقليديون المفكرون، يفكرون بما زال، ولكن يضيقون عما يحدث. فكرهم ذكرى، وأملهم حلم وحلمهم فناء.

وهم رجعيون في اعتبار، يتمنون الخلود في السكون، وخلودهم أدنى وأرخص من الحياة. غير أني لا أود تخليد الذكرى في الموتى والموت، فالأفراد هم الفانون. والوطن يستقل عن أبنائه الزائلين، وأنا أطلب الخلود للوطن الذي لا يزول، ولو قلت شعراً لطلبت بالشعر حياة الوطن، وجعلت الذكرى حقيقة الحلم، بل أبهى وأصح.

العاملون

والذكرى صورة حلم إليه تعود قوته، وطلل ماض يكتسب كماله، ووشم يد يغزو جماله، وينمي جمالها، والصورة التي تفقد نورها لا تستحق نفحة الحياة، والحلم الذي يقصر عن تدارك حرارته سلب وانتقاص، وهو جدير بالسلب والانتقاص، والقلبان اللذان ألف بينهما قدر فتفاهما واتحدا عليهما البقاء في التفاهم والاتحاد، عليهما العمل على زيادة التفاهم

<<  <  ج: ص:  >  >>