للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليست المشاكل التي نتخبط بها غريبة من نوع خاص، فهي كأكثر المشاكل التي اعترضت الأمم الفتية من قبلنا، وكما استطاع الأبناء الخلص لتلك الأمم أن يخطوا بها وينشلوها من وهدة الحيرة والتردد، فنحن الآن مفتقرون إلى الاستنارة بآراء أمثال هؤلاء القوم.

ولعل رجال التعليم قبل غيرهم الذين شعروا بالحاجة الماسة إلى من يعبر عن آلامنا وآمالنا فلفتوا النظر إلى النقص الذي نلمسه في تربيتنا على اختلاف أنواعها. ولكن هل هذا التحسس كاف لحل المشكل الذي نشكو منه. أنني لم أتحدث إلى رجل من أبناء وطني إلا وصور لي أمراض مجتمعنا أبدع تصوير، ونحن مجتمعون إن مجتمعنا فاسد وتربيتنا ناقصة وإن هذه الحال يجب أن تبدل بما هو أحسن وأكمل. غير أننا نقف عند هذا الحد تنقصنا الجرأة والإقدام على الإصلاح، يذكيهما شعور بالنقص وضعف في الإيمان. وأنانية مسكينة تقعدنا عن العمل خشية فقد امتياز أو ضياع منفعة خاصة. ولذا فنحن نحوم دوماً حول دائرة سقيمة، نشكو آلامنا وأوجاعنا ونشخصها تشخيصاً قل إن يأتي بمثله نطس الأطباء، وأغرب من هذا وذاك إننا نعرف الوصفة التي إذا عملنا بها أوصلتنا إلى النقاهة فالشفاء. ولكننا نأبى العمل، وإذا أقدمنا عليه فما أكثر المثبطات ونرجع القهقرى ولا نعمل شيئاً.

لقد اعتدنا أن ننظر إلى آراء الخارج وصفحه ومجلاته نظرة أعجاب وتقدير، فنحن نقبل على قراءتها بلهف وشوق ونبذل في الحصول عليها الغالي والرخيص، غير أننا أن قامت في بلادنا مجلة فقلما تلقى من التحبيذ والتشجيع ما يكفل لها البقاء ولا تكاد تظهر إلى عالم الوجود حتى تنثال عليها أقلام الكتاب طعنا ونقدا وحزا كأننا لسنا أهلاً لأن يكون عندنا آراء ومفكرون. ولعل هذا السبب هو ما يحدو بكثير من رجالنا إلى اليأس والنفور. ولو أنصفنا وبدلنا مفاهيمنا وأخذنا بيد كتابنا وأدبائنا لكان لدينا مجلات قيمة ومفكرون يؤخذ برأيهم ويستفاد من تجاربهم وخبرتهم.

وفي الحقيقة، ليس كل ما يأتينا من الخارج قيماً مفيدا كما أن أكثره لا يعبر عن حاجاتنا النفسية وأهدافنا الوطنية، إنما يعبر عن الإقليم الذي كتب فيه وحاجات النفوس البشرية التي يكتب لها. ولست أعني أن مطالعة هذه الآثار لا تجدي نفعا ولكني أقول إنها تفيد كزاد ثقافي لمن يود الاطلاع وكدليل لمن يحب العمل، غلا إنها لا تكفي لسد رغباتنا. ونحن الآن

<<  <  ج: ص:  >  >>