للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غدنا حتى نطمئن إلى ما نصير إليه، في حين أننا أكثر الأمم تمجيداً للأخلاق، وأشدها ترنماً بها، وأكبرها نداء لها، وإذا رغبت في احترام رأيك، وطلبت برهاناً أو دليلاً أو سبباً، طالعك النقيض، وجابهك ضد ما تطلب، وكنت أمام أمرين، فإما الكذب بالواقع، والرضاء عن الكذب، أو الخروج عنه، والخروج عليه، فتبعد عندها عن أنك شرقي ممتاز، وتصبح ملحداً بناموس الأسطورية الشرقية، ففي الشرق يراد لك أن تعيش خلاف ما تفهم، وفي الشرق تحمل على رؤية ما لا تبصر، وفي الشرق ترغم على الاقتناع بما لا يسمن ولا يغني من جوع، زهدك بالشيء يبعدك عنه، وعبادتك اللفظ يقيم صلبك عن المعنى، أليس اللفظ في ذاته نغمة، ونغمة الأخلاق تلعب بحياتك عندنا، وتعلو قدسيتك، وتوجه سلوكك، في القصر والشارع، في جميع القصور وكافة الشوارع، وفي المدرسة والحقل، والمقهى والمتجر، وفي مغاني الشعب وثنايا الصحف المتطهرة، وليت لنا أن نحقق ما نقول، ونظهر ما نبطن، ففي ذاك راحة من عناء، وعوض عن نقص، وإكمال لعجز، ولست أشك في أن البشرية جمعاء تذعن لعظمتنا آنئذ، وتشق أمام عجلتنا طريق الصعود وتخر مؤمنة بروحانيتنا الممتازة، ونبلنا الرفيع، وأخلاقنا العليا.

شكلية جوفاء

لا يسقط بيننا وبين ذروة المجد سوى أننا نرى الخير ولا نعمل به، ونتخذ الأخلاق بوقاً نصيح به ولا نتبعه، فأخلاقنا غدت أشكالاً جوفاء، وصوراً تصلح لكل جدار، وخطباً منمقة تستعمل في كل مناسبة، وعلى غير هدى. ولن أتقدم بالمسؤولية عن كل ذلك فأزفها إلى رجال التربية، وأحملهم اللوم وحدهم، والحق أن السبب في ضعف الحقيقة الأخلاقية وفشلها عندنا يرجع إلى التربية في الدرجة الأولى كما يرجع بالمعلول إلى علته، وبالداء إلى أصله، ولكن من الحق أيضاً أن نعترف بالفضل العام للمربين في بلادنا، فهم كرام نبلاء، ولكن مسؤوليتهم ترقى منهم إلى الظروف المحيطة بهم، والوسائل المتروكة إليهم، والسلطة المعطاة لهم، والتوجيه الذي إليه يفتقرون.

دمية الفضيلة

يجهل كثيرون، ويتجاهل كثيرون، أننا لسنا أقل خلقاً من أسلافنا الأقربين. فيصيح بعضهم بأن أخلاقنا قد فسدت بصورة شاذة، لا سبب لها، ولا رادع عنها، ويصفق بعضهم مصدقين

<<  <  ج: ص:  >  >>