للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو منافقين، ويتأتى عنهم جميعاً تأليف شركات عفوية معنوية، تستثمر النداء بانحطاط الأخلاق، وتدعي صيانة الفضيلة والعفة في كل مكان ويذهب المسنون والمسنات من جمدت أعمارهم الفكرية، فيتنادون بالويل والثبور لمن يطلب الحياة من الأحداث، ويرغبون أن لا تكون أخلاق النشء سوى صورة لأخلاق الجدود الأقربين، ولو جرأنا لفهمنا أن الأخلاق العربية لم تتدهور منذ أمس، بل إن جمودها ملازم لجمود قوتنا القومية، وفسادها ظل لفساد حياتنا الاجتماعية، وفقدها فقد لحيويتنا الإنسانية، منذ أن تتالت النكبات علينا، فخسرنا صلاح الدين وكسبنا النير التركي، ورزأتنا الأيام بالأنانية الأجنبية في عقر دارنا، ولم يصبح لمستغلي الفضيلة من شغل شاغل إلا خدمة هذا الخزي القومي ولفت النظر عن رؤية النور واضحاً، ووضع دمية الجمود بين أصابع النشء، يلهو بها ويتلهى عن غيرها، فالأخلاق ليست أداة الغموض والخديعة، بل هي حزمة النور في سلم الوطنية، وقصر الحرية، وطريق المجد.

يقولون إن الزمان قد شاخ، وإن العمر لا ينتظر، وإن السرعة في التقليد تغني عن التردد في التجربة، والعناء بالبحث، فليس مثل السير على فضيلة الأب والجد في أيام استعباد أزلناه، وإن من رضي عاش ويحمد خلقياً من يحمد المكروه، ونحن نجيب إن الزمان لا يسيرنا فيحيي ويميت، بل نحن الذي نوجد في الزمان، ونملأه بوجودنا، ومن العقل أن نفهم ونعمل، فنعرف علتنا وداءها الأسود، ونكره كسلنا وطويته النقية البيضاء، فالنية الساذجة لا تخلق الإصلاح، وجودة السجية ليست حقيقة إنسانية في نظر إنسان اليوم، وان شئنا أخلاقاً حقيقية فلنطلب حقيقة الأخلاق، ونسعى إلى ما يصلح فاسدنا، ويقوم عوجنا، من غير جعجعة فارغة، تقلق المفكرين، وتزيد حيرة الحائرين.

تطور الأخلاق

وأبسط عناصر هذه المعضلة، وأول سبل إصلاحها، هو الإيمان بأن الأخلاق كالحب والفضيلة والحق والعدالة والإخلاص والإحسان ليست سلسلة ألفاظ لا نهاية لها، ولا معنى لرموزها، بل هي مفهوم واقعي يرتبط بالزمان وبالمكان، ومن جملة الزمان والمكان ينشأ المجتمع الذي هو أصل تطور الأخلاق.

سنة الله في خلقه أن تتغير الأخلاق تبعاً لسنة الله في النشوء والارتقاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>