للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك: ٨]، ولا يظلم الله أحداً من خلقه". اهـ (١)

وقال الحافظ ابن كثير: "طعن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت معجمة في صحيح البخاري ... ثم ذكر الحديث وقال: "فهذا إنما جاء في الجنة؛ لأنها دار فضل، وأما النار فإنها دار عدل، لا يدخلها أحد إلا بعد الإعذار إليه، وقيام الحجة عليه، وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة وقالوا: لعله انقلب على الراوي ... ". اهـ (٢)

الثاني: مسلك قبول الحديث، والجمع بينه وبين الآيات:

وقد اختلف أصحاب هذا المسلك في الجمع على مذهبين:

الأول: مذهب قبول الرواية مع توجيهها وصرفها عن ظاهرها:

وهذا رأي الحافظ ابن حجر، حيث قال: "ويمكن التزام أَنْ يكونوا من ذوي الأرواح، ولكن لا يُعَذَّبون؛ كما في الخزنة، ويحتمل أَنْ يُراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، وعبر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء، فهو إنشاء الإدخال، لا الإنشاء بمعنى ابتداء الخلق؛ بدليل قوله: "فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ"، وأعادها ثلاث مرات ثم قال: "حتى يضع فيها قدمه فحينئذ تمتلئ"، فالذي يملؤها حتى تقول حسبي هو القَدَم، كما هو صريح الخبر ... ". اهـ (٣)

الثاني: مذهب قبول الرواية مطلقاً:

وهذا رأي المُهَلَّب (٤)، حيث يرى أنَّ هذه الرواية حجة لأهل السنة في قولهم: إنَّ لله أَنْ يُعَذِّبَ من لم يُكَلِّفْه لعبادته في الدنيا؛ لأن كل شيء ملكه، فلو عذبهم لكان غير ظالم لهم. (٥)

وتُعُقِّبَ: بأنَّ أهل السنة إنما تمسكوا في ذلك بقوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)) [الأنبياء: ٢٣]، وبقوله: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: ٢٧]، وغير ذلك، وهو عندهم من جهة الجواز، وأما الوقوع


(١) حادي الأرواح، لابن القيم (١/ ٢٧٨).
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ٣١).
(٣) فتح الباري، لابن حجر (١٣/ ٤٤٦).
(٤) هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي المريي، مصنف شرح صحيح البخاري، وكان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، ولي قضاء المرية، توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربع مئة. انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٧/ ٥٧٩).
(٥) نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (١٣/ ٤٤٦).

<<  <   >  >>