للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العيني: "فإنْ قلت: كيف الجمع بين هذه الآية وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قلت: الباء في قوله: (بِمَا كُنْتُمْ) ليست للسببية، بل للملابسة. أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم، أي لثواب أعمالكم. أو للمقابلة؛ نحو: أعطيت الشاة بالدرهم". اهـ (١)

المذهب الخامس: أنَّ مجرد دخول الجنة لا يكون إلا برحمة الله وفضله، وعليه يُحمل الحديث، وأما اقتسام منازل الجنة ودرجاتها فإنَّ ذلك يتفاوت بتفاوت الأعمال، وعليه تُحمل الآية.

وهذا مذهب ابن بطال، وأبي عبد الله القرطبي. (٢)

قال ابن بطال: "فإن قال قائل: فإنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يدخل أحدكم عمله الجنة" يُعارض قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)) [الزخرف: ٧٢]. قيل: ليس كما توهمت، ومعنى الحديث غير معنى الآية، أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله، وإنما يدخلها العباد برحمة الله، وأخبر الله تعالى في الآية أنَّ الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، ومعلوم أنَّ درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم، فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها، فلا تعارض بين شيء من ذلك". اهـ

ثم أورد على جوابه هذا قوله تعالى: (سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)) [النحل: ٣٢] حيث أخبر سبحانه أن دخول الجنة بالأعمال أيضاً.

وأجاب: "بأن قوله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] كلامٌ مُجْمَلٌ يُبيّنه الحديث، وتقديره: ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مُفتقرة إلى بيان الحديث.

قال: وللجمع بين الحديث وبين الآيات وجه آخر: هو أنْ يكون الحديث مُفِسراً للآيات، ويكون تقديرها: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: ٧٢]، و (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)) [الطور: ١٩]، و (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢] مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم؛ لأنَّ فضله


(١) عمدة القاري، للعيني (١/ ١٨٤).
(٢) انظر: تفسير القرطبي (٧/ ١٣٤).

<<  <   >  >>