للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال بعض الناس: إنَّه يُغفر له بالإسلام، والصحيح أنَّه إنما يُغفر له ما تاب منه، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل: "أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ" (١)، وحُسْنُ الإسلام أنْ يلتزم فِعْل ما أمَرَ الله به، وترك ما نُهي عنه، وهذا معنى التوبة العامة، فمن أسلم هذا الإسلام غُفِرَتْ ذنوبه كلها، وهكذا كان إسلام السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان; ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لعمرو بن العاص: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ" (٢)؛ فإنَّ اللام لتعريف العهد، والإسلام المعهود بينهم كان الإسلام الحسن.

وقوله: "وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ أي: إذا أَصَرَّ على ما كان يعمله من الذنوب فإنه يُؤاخذ بالأول والآخر، وهذا مُوجِبُ النصوص والعدل؛ فإنَّ من تاب من ذنبٍ غُفِرَ له ذلك الذنب، ولم يَجِبْ أنْ يُغْفَرَ له غيره". اهـ (٣)

وأجاب أصحاب هذا المذهب عن الآية:

بأنَّ المعنى: يُغفر لهم ما قد سلف مما انتهوا عنه، وليس في الآية ما يدل على أنهم بمجرد انتهائهم عن الكفر يُغفر لهم سائر ذنوبهم، وإنْ لم يتوبوا من بعضها.

ذكر هذا الجواب: ابن حزم (٤)، وشيخ الإسلام ابن تيمية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: ٣٨] يَدُلُّ على أنَّ المُنْتَهي عن شيء يُغفر له ما قد سلف منه، ولا يدُلُّ على أنَّ المنتهي عن شيء يُغفر له ما سلف من غيره". اهـ (٥)


(١) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٢) تقدم تخريجه قريباً.
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية (١١/ ٧٠٢).
(٤) انظر: المحلى (١/ ٤٠)، والفصل (٢/ ٣٥٥).
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٠/ ٣٢٤).

<<  <   >  >>