للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظاهر جميع هذه الآيات العموم؛ لأنها لم تُخصص كافراً دون كافر، بل ظاهرها شمول جميع الكفار.

واستدلوا: بالأحاديث الواردة في أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد تقدمت في أول المسألة.

واستدلوا: بأنَّ معرفة الله واجبة عقلاً، فلا عُذر بالفترة؛ لأنَّ الحجة قد قامت عليهم بما معهم من أدلة العقل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده. (١)

وأجاب أصحاب هذا المسلك عن الآيات الواردة في المسألة من أربعة أوجه (٢):

الأول: أَنَّ التعذيب المنفي في قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وأمثالها من الآيات، إنما هو التعذيب الدنيوي، أي أَنَّ الله لا يُهلك أمة بعذاب في الدنيا إلا بعد الإعذار والإنذار إليهم، وهذا لا يُنافي التعذيب في الآخرة.

وهذا الجواب حكاه الآلوسي عن أبي منصور الماتريدي. (٣)

وأما تفسير الآية فقد حكاه مذهباً للجمهور: أبو عبد الله القرطبي، وتبعه أبو حيان، والشوكاني. (٤)

الوجه الثاني: أَنَّ محل العذر بالفترة ـ المنصوص في قوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ) وأمثالها ـ إنما هو في غير الواضح، وأما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل، كعبادة الأوثان، فلا يُعذر فيه أحد؛ لأنَّ الكفار يُقِرُّون بأنَّ الله هو ربهم، الخالق الرازق النافع الضار، ويتحققون كل التحقق أَنَّ الأوثان لا تَقدر على جلب نفع، ولا على دفع ضر.


(١) انظر: لباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (٣/ ٤٠٢)، وروح المعاني، للآلوسي (١٥/ ٥٢)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (١٥/ ٥٢).
(٢) انظر هذه الأوجه في: أضواء البيان، للشنقيطي (٣/ ٤٧٥ - ٤٧٦).
(٣) انظر: روح المعاني، للآلوسي (١٥/ ٥٣).
(٤) انظر على الترتيب: تفسير القرطبي (١٠/ ١٥٢)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (٦/ ١٥)، وفتح القدير، للشوكاني (٣/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>