للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون في الإسناد؛ فيقع وهم من أحد الرواة فيروي حديثاً مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الحقيقة ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا السبب يكاد يكون الأكثر في وقوع الإشكال في الأحاديث النبوية؛ وفي هذا البحث جملةٌ من الأحاديث المشكلة التي تَبَيَّنَ بعد التحقيق أنَّ الإشكال الوارد فيها إنما كان بسبب وقوع الغلط من الرواة في نقلها. (١)

السبب الرابع: أنْ يكون الإشكال أو التعارض الوارد في نظر المجتهد صادراً عن عدم فهمه واستيعابه للنص الشرعي، وقد وقع شيء من ذلك لصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته - صلى الله عليه وسلم -، فعن أُمِّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا». قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)} [مريم: ٧٢]». (٢)

ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، استشكل بعض الصحابة وجه كون المقتول في النار؛ فأبان لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب كونه في النار فقال: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». (٣)

السبب الخامس: أنْ يرد النصان على حالين مختلفين، ويفيدان حكمين متضادين، فيُظن أنَّ بينهما تعارضاً، وليس الأمر كذلك؛ لأن اختلاف الحكم إنما هو لاختلاف السبب الذي من أجله ورد النص، ولأن الحكم يختلف باختلاف الحال والزمان، ومن هذا النوع ما ورد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحوم الأضاحي (٤)،

وورد عنه أنه رخص فيه (٥)، فظاهر هذين الحديثين


(١) للأمثلة على هذا السبب: ينظر مسألة: مدة خلق السماوات والأرض، ص (٢٣٦).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب فضائل الصحابة، حديث (٢٤٩٦).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، حديث (٣١)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، حديث (٢٨٨٨).
(٤) عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ». أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الأضاحي، حديث (١٩٧٠).
(٥) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: «كُنَّا لَا نُمْسِكُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَزَوَّدَ مِنْهَا وَنَأْكُلَ مِنْهَا يَعْنِي فَوْقَ ثَلَاثٍ». أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الأضاحي، حديث (١٩٧٢).

<<  <   >  >>