للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من تفسير الآيات بإرث المال، لأنَّ هذا المعنى لا يُعارض الحديث على القول بخصوصه. (١)

وأجيب على هذا الاعتراض من أربعة أوجه:

الأول: أَنَّ ظاهر صيغة الجمع في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نُورَثُ" شمول جميع الأنبياء؛ فلا يجوز العدول عن هذا الظاهر إلا بدليل من كتاب أو سنة، وقول عمر - رضي الله عنه - لا يصح أَنْ يُخَصَّصَ به نصٌ من السنة؛ لأنَّ النصوص لا يصح تخصيصها بأقوال الصحابة على التحقيق، كما هو مقرر في الأصول.

الوجه الثاني: أَنَّ قول عمر: "يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ" لا يُنافي شمول الحكم لغيره من الأنبياء، لاحتمال أَنْ يكون قصده يريد أنه هو - صلى الله عليه وسلم - يعني نفسه؛ فإنَّه لا يُورَث، ولم يقل عمر: إنَّ اللفظ لم يشمل غيره، وكونه يعني نفسه لا ينافي أَنَّ غيره من الأنبياء لا يُورث أيضاً.

الوجه الثالث: أنه قد جاء في روايات أخرى التصريح في عموم عدم الإرث المالي في جميع الأنبياء، كرواية: "إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ"، ورواية: "إنَّ الأنبياء

لا يورثون" (٢)، وهذه الروايات يشد بعضها بعضاً، وقد تقرر في الأصول أَنَّ البيان يصح بكل ما يُزيل الإشكال، ولو بقرينة أو غيرها، وعليه فهذه الروايات التي ذكرنا تبين أَنَّ المقصود من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نُورَثُ" أنه يعني نفسه كما قال عمر، وجميع الأنبياء كما دلت عليه الروايات المذكورة. (٣)

الاعتراض الثاني: أَنَّ سليمان عليه السلام قد كان نبياً في وقت أبيه فكيف يرث منه النبوة؟

وأجيب: بأن الشرائع كانت إلى داود عليه السلام وكان سليمان مُعيناً له فيها، وكذا كانت سبيل الأنبياء صلوات الله عليهم إذا اجتمعوا أَنْ تكون الشريعة إلى


(١) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٤/ ٢٠٧).
(٢) أخرجه الدارقطني في العلل (١/ ٢٣١)، من رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن أم هانئ، عن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، به. وفي إسناده الكلبي؛ متروك.
(٣) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٤/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>