للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد، كقوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج: ٧]، أي يبعث جميع الموتى، من قُبر منهم ومن لم يُقْبَر، وقد دلت قرائن قرآنية على أنَّ معنى آية فاطر هذه كمعنى آية الروم، منها قوله تعالى قبلها:

(إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) [فاطر: ١٨]؛ لأنَّ معناها لا ينفع إنذارك إلا من هداه الله ووفقه، فصار ممن يخشى ربه بالغيب ويقيم الصلاة، وما أنت بمسمع من في القبور، أي الموتى، أي الكفار الذين سبق لهم الشقاء، ومنها قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩)) [فاطر: ١٩]، أي المؤمن والكافر، وقوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) [فاطر: ٢٢] أي المؤمنون والكفار، ومنها قوله تعالى بعدها: (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣)) [فاطر: ٢٣] أي ليس الإضلال والهدى بيدك، ما أنت إلا نذير وقد بلغت. (١)

القول الثاني: أنَّ الموتى في الآيات المراد بهم الذين ماتوا حقيقة، لكن المراد بالسماع المنفي هو خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع به صاحبه، وأنَّ هذا مثلٌ ضربه الله للكفار؛ إذ الكفار يسمعون الحق، ولكن لا ينتفعون به.

قالوا: وقد يُنفى الشيء لانتفاء فائدته وثمرته، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)) [الأعراف: ١٧٩]. (٢)

وهذا رأي: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم (٣)، وابن رجب (٤)، والأبي (٥)، وذكره ابن جرير الطبري احتمالاً آخر في معنى الآية.

قال الطبري: "معنى الآية: إنك لا تسمع الموتى إسماعاً ينتفعون به؛ لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار الأعمال إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته، فكذلك هؤلاء الذين


(١) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤١٩).
(٢) انظر: أهوال القبور، لابن رجب، ص (١٣٥).
(٣) الروح، لابن القيم، ص (١٤١).
(٤) أهوال القبور، لابن رجب، ص (١٣٤ - ١٣٥).
(٥) إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٣/ ٣٣٠ - ٣٣١).

<<  <   >  >>