للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسمعوه، وبكموا عنه فلم ينطقوا به، وعموا عنه فلم يروه، مع أنهم يسمعون غيره ويبصرونه وينطقون به، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)) [الأحقاف: ٢٦]. (١)

واعتُرِضَ على هذا القول: بأنَّ فيه قلباً للتشبيه المذكور في الآيات، حيث جُعل المشبه به مشبهاً؛ لأنَّ القيد المذكور في هذا القول يصدق على موتى الأحياء من الكفار، فإنهم يسمعون حقيقة، ولكن لا ينتفعون من سماعهم، كما هو مشاهد، فكيف يجوز جعل المشبه بهم - من موتى القبور - مثلهم في أنهم يسمعون ولكنهم لا ينتفعون من سماعهم، مع أنَّ المشاهد أنهم لا يسمعون مطلقاً، ولذلك حسن التشبيه المذكور في الآيات، فبطل القيد الذي ذكره أصحاب هذا القول. (٢)

واعتُرِضَ أيضاً: بأنَّ الله تعالى نفى السماع عن الموتى، وعن الصم، فهل يُقال: إنَّ الصم يسمعون، لكن لا يسمعون سماع قبول وانتفاع؟

القول الثالث: أنَّ معنى الآيات: إنك لا تُسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، ولكن الله تعالى هو الذي يسمعهم إذا شاء؛ إذ هو القادر على ذلك دون من سواه.

وهذا رأي: ابن التين (٣)، والإسماعيلي (٤)، وذكره ابن جرير الطبري احتمالاً آخر في معنى الآية (٥).

واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

الأول: أنَّ الله تعالى بعد أنَّ نفى السماع قال: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ) [النمل: ٨١]، فبين أنَّ الهداية من الكفر إلى الإيمان بيده دون من


(١) انظر: أضواء البيان، للشنقيطي (٦/ ٤٢٠ - ٤٢١).
(٢) انظر: مقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (٢٢).
(٣) نقله عنه الحافظ ابن حجر، في الفتح (٣/ ٢٧٧).
(٤) المصدر السابق.
(٥) تهذيب الآثار، للطبري (٢/ ٥١٩).

<<  <   >  >>