للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جزي: "نُسِبَ تحريمها إلى الله؛ لأنه بسبب قضائه وأمره، ونَسَبَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى إبراهيمَ عليه السلام؛ لأنَّ إبراهيم هو الذي أعْلَمَ الناسَ بتحريمها؛ فليس بين الحديث والآية تعارض، وقد جاء في حديث آخر: أَنَّ مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض (١) ". اهـ (٢)

وقال الآلوسي: "لا تعارض بين ما في الآية من نسبة تحريمها إليه عز وجل، وما في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة، وأنا حرمت المدينة"، من نسبة تحريمها إلى إبراهيم عليه السلام؛ لأنَّ ما هنا باعتبار أنه هو المُحرِّمُ في الحقيقة، وما في الحديث باعتبار أَنَّ إبراهيم عليه السلام مُظْهِرٌ لحكمه عز شأنه". اهـ (٣)

المذهب الثاني: أَنَّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه تحريم مكة فأجابه الله إلى ذلك، فإضافة التحريم إلى الله تعالى باعتبار أنه كان بإذنه، وإضافته إلى إبراهيم باعتبار أنه كان بسؤاله وطلبه.

وهذا مذهب: أبي الوليد الباجي، والقاضي عياض في وجه آخر له في الجمع. (٤)

والفرق بين هذا القول والذي قبله: أَنَّ هذا القول فيه أَنَّ مكة لم تُحرَّم إلا بعد أن سأل إبراهيم ربه في تحريمها، وأما القول الأول ففيه أَنَّ حُرْمَة مكة لم تزل مُنذ أنْ خلق الله السماوات والأرض.


= تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٣/ ٤٧٤)، والتسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (٢/ ١٨)، وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (٧/ ٩٦)، وتفسير ابن كثير (١/ ١٧٩)، وعمدة القاري، للعيني (٢/ ١٤٥) و (٩/ ٢٢٤)، وشرح سنن النسائي، للسيوطي (٥/ ٢٠٣)، وشرح موطأ مالك، للزرقاني (٤/ ٢٨٢)، وسبل السلام، للصنعاني (٢/ ١٩٧)، وفتح القدير، للشوكاني (١/ ٢٢٢)، وروح المعاني، للآلوسي (٢٠/ ٣٣٢).
(١) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ... ". أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحج، حديث (١٨٣٣).
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (٢/ ١٠٨).
(٣) روح المعاني، للآلوسي (٢٠/ ٣٣٢).
(٤) انظر على الترتيب: المنتقى شرح الموطأ، لأبي الوليد الباجي (٧/ ١٩٢)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (٤/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>