للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكلم في حديث الكتابة يوم الحديبية (١) وقال بظاهره، طعن عليه جماعة من علماء عصره، ورموه بالزندقة، لاعتقادهم أنَّ هذا القول فيه قدح بمعجزة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فألفَّ الباجي رسالته المسماة بـ"تحقيق المذهب"، وبيَّن فيها أنَّ هذا القول لا يقدح بالمعجزة. (٢)

وقد ساق قصةَ الباجي هذه القاضي عياض، فقال: "ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ (٣) وكفَّرَه بإجازة الكَتْبِ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النبي الأميّ، وأنَّه تكذيبٌ بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبَّحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجُمَع، وقال شاعرهم:

بَرِئْتُ ممن شَرَى دُنْياً بآخرَة ... وقال إنَّ رسولَ اللهِ قد كَتَبَا

فصنف أبو الوليد رسالةً بيَّن فيها أنَّ ذلك غير قادحٍ في المعُجزة". اهـ (٤)

وأجاب أصحاب هذا المذهب عن الآيات:

بأنَّ نفي الكتابة في الآية المقصود به الحال التي قبل النبوة؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، وأما بعد النبوة فليس في الآية ما يدل على امتناعه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها، وعدم معرفته كان بسبب المعجزة، فلما نزل القرآن، واشتهر الإسلام، وكثر المسلمون، وظهرت المعجزة، وأُمِنَ الارتياب في ذلك، عرف حينئذ الكتابة.


(١) الحُدَيْبِيّّة: هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحتها، وسميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، وبين الحديبية ومكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، وبعض الحديبية في الحل، وبعضها في الحرم، وقد اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرة الحديبية ووادع المشركين لمضي خمس سنين وعشرة أشهر للهجرة النبوية. انظر: معجم البلدان، لياقوت الحموي (٢/ ٢٢٩).
(٢) انظر: التلخيص الحبير، لابن حجر (٣/ ١٢٧).
(٣) لم أقف على ترجمته.
(٤) ترتيب المدارك، للقاضي عياض (٤/ ٨٠٤ - ٨٠٦)، وانظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٨/ ٥٤٠).

<<  <   >  >>